حِينَ تَنْتَهِي، وَالْمَعْنَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى يُقِيمُهَا اللَّهُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها أَيْ: فِي أَيُّ شَيْءٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ ذِكْرِ الْقِيَامَةِ وَالسُّؤَالِ عَنْهَا، وَالْمَعْنَى: لَسْتَ فِي شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهَا وَذِكْرَاهَا إِنَّمَا يَعْلَمُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ إِنْكَارٌ وَرَدٌّ لِسُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهَا، أَيْ: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلُونَكَ عَنْهُ وَلَسْتَ تَعْلَمُهُ إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أَيْ: مُنْتَهَى عِلْمِهَا، فَلَا يُوجَدُ عِلْمُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي «١» وقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «٢» فَكَيْفَ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا وَيَطْلُبُونَ مِنْكَ بَيَانَ وَقْتِ قِيَامِهَا إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها أَيْ: مُخَوِّفٌ لِمَنْ يَخْشَى قِيَامَ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ وَظِيفَتُكَ لَيْسَ عَلَيْكَ غَيْرُهُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَخَصَّ الْإِنْذَارَ بِمَنْ يَخْشَى لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْإِنْذَارِ وَإِنْ كَانَ مُنْذِرًا لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِضَافَةِ مُنْذِرُ إِلَى مَا بَعْدَهُ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَطَلْحَةُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ وَحُمَيْدٌ بِالتَّنْوِينِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالتَّنْوِينُ وَتَرْكُهُ فِي مُنْذِرُ صَوَابٌ، كَقَوْلِهِ: بالِغُ أَمْرِهِ «٣» ومُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «٤» . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلْمَاضِي، نَحْوَ ضَارِبُ زَيْدٍ أَمْسِ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها أَيْ: إِلَّا قَدْرَ آخِرِ نَهَارٍ أَوْ أَوَّلِهِ، أَوْ قَدْرَ الضُّحَى الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْعَشِيَّةَ، وَالْمُرَادُ تَقْلِيلُ مُدَّةِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ «٥» وَقِيلَ: لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِإِضَافَةِ الضُّحَى إِلَى الْعَشِيَّةِ إِضَافَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْعَشِيَّةِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: آتِيكَ الْغَدَاةَ أَوْ عَشِيَّتَهَا، وَآتِيكَ الْعَشِيَّةَ أَوْ غَدَاتَهَا فَتَكُونُ الْعَشِيَّةُ فِي مَعْنَى آخِرِ النَّهَارِ، وَالْغَدَاةُ فِي مَعْنَى أَوَّلِ النَّهَارِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ صَبَحْنَا عَامِرًا فِي دَارِهَا ... جُرْدًا تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِهَا
عَشِيَّةَ الْهِلَالِ أَوْ سِرَارَهَا وَالْجُمْلَةُ تَقْرِيرٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِنْذَارُ مِنْ سُرْعَةِ مَجِيءِ الْمُنْذِرِ بِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: رَفَعَ سَمْكَها قَالَ: بَنَاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَها قَالَ: أَظْلَمَ لَيْلَهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَأَغْطَشَ لَيْلَها قَالَ:
وَأَظْلَمَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحاها قَالَ: أَخْرَجَ نَهَارَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها قَالَ: مَعَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: آيَتَانِ فِي كتاب الله تخالف إحداهما الأخرى، فقال: إنما أتيت من قبل رأيك، قال: اقرأ: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ حَتَّى بلغ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ «٦» وقوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
(١) . الأعراف: ١٨٧.(٢) . لقمان: ٣٤.(٣) . الطلاق: ٣.(٤) . الأنفال: ١٨.(٥) . الأحقاف: ٣٥.(٦) . فصلت: ٩- ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute