أو مفعولا لذكرا، أَيْ: تَذَكَّرْ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمَا بِالتَّثْقِيلِ جَمْعٌ، وَالْوَاحِدُ عَذِيرٌ وَنَذِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ جَوَابَ الْقَسَمِ فَقَالَ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ أَيْ: إِنَّ الَّذِي تُوعَدُونَهُ مِنْ مَجِيءِ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَتَى يَقَعُ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ أي محي نورها وذهب ضوءها، يُقَالُ: طُمِسَ الشَّيْءُ إِذَا دَرَسَ وَذَهَبَ أَثَرُهُ وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ أَيْ: فُتِحَتْ وَشُقَّتْ، وَمِثْلُهُ قوله: وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً «١» وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ أَيْ قُلِعَتْ مِنْ مَكَانِهَا بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ نَسَفْتُ الشَّيْءَ وَأَنْسَفْتُهُ إِذَا أَخَذْتَهُ بِسُرْعَةٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: سُوِّيَتْ بِالْأَرْضِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ:
نَسَفَتِ النَّاقَةُ الْكَلَأَ إِذَا رَعَتْهُ، وَقِيلَ: جُعِلَتْ كَالْحَبِّ الَّذِي يُنْسَفُ بِالْمَنْسَفِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا «٢» وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الْمُبَرِّدُ: نُسِفَتْ: قُلِعَتْ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ الْهَمْزَةُ فِي أُقِّتَتْ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ، وَكُلُّ وَاوٍ انْضَمَّتْ وَكَانَتْ ضَمَّتُهَا لَازِمَةً يَجُوزُ إِبْدَالُهَا بِالْهَمْزَةِ، وَقَدْ قَرَأَ بِالْوَاوِ أَبُو عَمْرٍو وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وَالْوَقْتُ: الْأَجَلُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ الشيء المؤخر إليه، والمعنى:
جعل لها وقت لِلْفَصْلِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأُمَمِ كَمَا فِي قوله سبحانه: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ «٣» وَقِيلَ:
هَذَا فِي الدُّنْيَا، أَيْ: جُمِعَتِ الرُّسُلُ لِمِيقَاتِهَا الَّذِي ضُرِبَ لَهَا فِي إِنْزَالِ الْعَذَابِ بِمَنْ كَذَّبَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: أَيْ جَعَلَ يَوْمَ الدِّينِ وَالْفَصْلِ لَهَا وَقْتًا، وَقِيلَ: أُقِّتَتْ: أُرْسِلَتْ لِأَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ بِهِ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّعْجِيبِ، أَيْ: لِأَيِّ يَوْمٍ عَظِيمٍ يَعْجَبُ الْعِبَادُ مِنْهُ لِشَدَّتِهِ وَمَزِيدِ أَهْوَالِهِ ضُرِبَ لَهُمُ الْأَجَلُ لِجَمْعِهِمْ، وَالْجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلٍ مقدر هو جواب لإذا، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «أُقِّتَتْ» . قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْتَّأْقِيتِ تَبْيِينُ الْوَقْتِ الَّذِي يَحْضُرُونَ فِيهِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى أُمَمِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَالَ: لِيَوْمِ الْفَصْلِ قَالَ قَتَادَةُ: يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ عَظَّمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ: وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ أَيْ: وَمَا أَعْلَمَكَ بِيَوْمِ الْفَصْلِ يَعْنِي أَنَّهُ أَمْرٌ بَدِيعٌ هَائِلٌ لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَ «مَا» مُبْتَدَأٌ وَ «أَدْرَاكَ» خَبَرُهُ، أَوِ الْعَكْسُ كَمَا اخْتَارَهُ سِيبَوَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَالَ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَيْ: وَيْلٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْهَائِلِ، وَوَيْلٌ:
أَصْلُ مَصْدَرٍ سَادٌّ مَسَدَّ فِعْلِهِ، وَعَدَلَ بِهِ إِلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ، وَالْوَيْلُ: الْهَلَاكُ أَوْ هُوَ: اسْمُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَكَرَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ قَسَّمَ الْوَيْلَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ تَكْذِيبِهِمْ، فَإِنَّ لِكُلِّ مُكَذِّبٍ بِشَيْءٍ عَذَابًا سِوَى تَكْذِيبِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَرُبَّ شَيْءٍ كُذِّبَ بِهِ هُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنَ التَّكْذِيبِ بِغَيْرِهِ، فَيَقْسِمُ لَهُ مِنَ الْوَيْلِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ التَّكْذِيبِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا فَعَلَ بِالْكُفَّارِ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فَقَالَ: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِهْلَاكِ الْكُفَّارِ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ يَعْنِي كُفَّارَ مكة، ومن وافقهم حين كذبوا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «نُتْبِعُهُمُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ: ثُمَّ نَحْنُ نُتْبِعُهُمُ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ لَيْسَ بِمَعْطُوفٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ
(١) . النبأ: ١٩.(٢) . الواقعة: ٥.(٣) . المائدة: ٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute