وَأمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَنْزِهُ عن البَوْلِ» . ثم أخذ جريدتين من شجر، وغرس إحداهما في قبر والأُخرى في قبر الآخر، فقال:«لَعَلَّهُمَا لا يُعَذَّبَانِ ما دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ»«١» . قال الحكماء: الحكمة في ذلك، أنهما ما دامتا رطبتين تسبحان الله تعالى، ويقال: معناه ما من شيء إلا يسبح بحمده، ويقال: معناه وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يدل على وحدانية الله تعالى، ويسبحه، فإنّ الله خالقه. وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، يعني: أثر صنعه فيهم، هذا بعيد، وهو خلاف أقاويل المفسرين، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً، حيث لم يجعل العقوبة لمن اتخذ معه آلهة، غَفُوراً لمن تاب منهم.
قوله عز وجل: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، يعني: إذا أخذت في قراءة القرآن. جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً قال بعضهم: الحجاب المستور، هو أن يمنعهم عن الوصول إليه، كما روي أن امرأة أبي لهب جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان عنده أبو بكر، فدخلت فقالت لأبي بكر: هجاني صاحبك. قال أبو بكر: والله هو ما ينطق بالشعر ولا يقوله.
فرجعت، فقال أبو بكر: أما رأتك يا رسول الله؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«لَمْ يَزَلْ بَيْنِي وَبَيْنَها مَلَكٌ يَسْتُرُنِي عَنْهَا حَتَّى رَجَعَتْ»«٢» . وقال قتادة: الحجاب المستور هو الأكنة. وقال مقاتل: الحجاب المستور هو قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: جعلنا أعمالهم على قلوبهم أغطية حتى لا يرغبوا في الحق، ويقال: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني: الجن والشياطين حِجاباً مَسْتُوراً فلا يصلون إليك. وقال الكلبي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تلا القرآن، ستره الله وحجبه عن المشركين بثلاث آيات، إذا قرأهن حجب عنهم. إحداهن: في سورة الكهف:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الكهف: ٥٧] والآية الثانية في النحل: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [النحل: ١٠٨] والثالثة في حم الجاثية: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] الآية.
قوله تعالى: وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، أي صمماً وثقلاً لا يسمعون الحق. قرأ ابن كثير
(١) حديث ابن عباس: أخرجه البخاري (٢١٨) (١٣٧٨) و (٦٠٥٢) ومسلم (٢٩٢) والترمذي (٧٠) والنسائي ١/ ٢٩- ٣٠ وأبو داود (٢٠) وأحمد ١/ ٢٢٥ والبيهقي: ٢/ ٤١٢ والبغوي (١٨٣) . (٢) عزاه السيوطي: ٥/ ٢٩٥ إلى أبي يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي و ٥/ ٢٩٦ إلى ابن مردويه عن أبي بكر.