قَبْلُ وَبَعْدُ ظَرْفَا زَمَانٍ وَأَصْلُهُمَا الْوَصْفُ وَلَهُمَا أَحْكَامٌ تُذْكَرُ فِي النَّحْوِ، وَمَدْلُولُ قَبْلُ مُتَقَدِّمٌ، كَمَا أَنَّ مَدْلُولَ بَعْدُ مُتَأَخِّرٌ. الْآخِرَةُ تَأْنِيثُ الْآخِرِ مُقَابِلِ الْأَوَّلِ وَأَصْلُ الْوَصْفِ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ «١» ، وَلَدارُ الْآخِرَةِ «٢» ، ثُمَّ صَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ لَامِ التَّعْرِيفِ وَإِقْرَارِ الْهَمْزَةِ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهَا لِلْقَطْعِ، وَوَرْشٌ يَحْذِفُ وَيَنْقُلُ الْحَرَكَةَ إِلَى اللَّامِ. الْإِيقَانُ: التَّحَقُّقُ لِلشَّيْءِ لِسُكُونِهِ وَوُضُوحِهِ، يُقَالُ يَقِنَ الْمَاءُ سَكَنَ وَظَهَرَ مَا تَحْتَهُ، وَأَفْعَلَ بِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ كَأَبَلَّ بِمَعْنَى اسْتَبَلَّ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَهُمَا النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ وَيَزِيدُ بْنُ قُطَيْبٍ مبنيا للفاعل.
وقرىء شَاذًّا بِمَا أُنْزِلَّ إِلَيْكَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْكَنَ لَامَ أَنْزَلَ كَمَا أَسْكَنَ وَضَّاحٌ آخِرَ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ:
إِنَّمَا شِعْرِي قَيْدٌ، قَدْ خُلِطْ بحلجان ثُمَّ حَذَفَ هَمْزَةَ إِلَى وَنَقَلَ كَسْرَتَهَا إِلَى لَامِ أَنْزَلَ فَالتَّقَى الْمِثْلَانِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، وَالْإِدْغَامُ جَائِزٌ فَأَدْغَمَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُوقِنُونَ بِوَاوٍ ساكنة بعد الياء وهي مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ لِأَنَّهُ مِنْ أَيْقَنَ.
وَقَرَأَ أَبُو حَيَّةَ النُّمَرِيُّ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَدَلَ الْوَاوِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لحب المؤقذان إِلَيَّ مُوسَى ... وَجَعْدَةُ إِذْ أَضَاءَهُمَا الْوَقُودُ
وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي الضَّرُورَةِ، وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَاوَ لَمَّا جَاوَرَتِ الْمَضْمُومَ فَكَأَنَّ الضَّمَّةَ فِيهَا، وَهُمْ يُبْدِلُونَ مِنَ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ هَمْزَةً، قَالُوا وَفِي وُجُوهٍ وَوُقِّتَتْ أُجُوهٌ وَأُقِّتَتْ، فَأَبْدَلُوا مِنْ هَذِهِ هَمْزَةً، إِذْ قَدَّرُوا الضَّمَّةَ فِيهَا وَإِعَادَةُ الْمَوْصُولِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ يَحْتَمِلُ الْمُغَايَرَةَ فِي الذَّاتِ وَهُوَ الْأَصْلُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ لِإِيمَانِهِمْ بِكُلِّ وَحْيٍ، فَإِنْ جَعَلْتَ الْمَوْصُولَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَوْصُولِ انْدَرَجُوا فِي جُمْلَةِ الْمُتَّقِينَ، إِنْ لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَّقِينَ بِوَصْفِهِ مُؤْمِنُو الْعَرَبِ، وَذَلِكَ لِانْقِسَامِ الْمُتَّقِينَ إِلَى الْقِسْمَيْنِ.
وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُتَّقِينَ لَمْ يَنْدَرِجْ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ قَسِيمٌ لِمَنْ لَهُ الْهُدَى لَا قِسْمٌ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَيُحْتَمَلُ الْمُغَايَرَةُ فِي الْوَصْفِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصِّفَاتِ، وَلَا تَغَايُرَ فِي الذوات بِالنِّسْبَةِ لِلْعَطْفِ وَحُذِفَ الْفَاعِلُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَبُنِيَ الفعلان للمفعول للعلم
(١) سورة القصص: ٢٨/ ٨٣.(٢) سورة يوسف: ١٢/ ١٠٩، وسورة النحل: ١٦/ ١٣٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute