وقرأ الجمهور: الْخاطِؤُنَ بِالْهَمْزِ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ خطىء، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ضِدَّ الصَّوَابِ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ، وَالْمُخْطِئُ الَّذِي يَفْعَلُهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْعَتَكِيُّ وَطَلْحَةُ فِي نَقْلٍ: بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَطَلْحَةُ وَنَافِعٌ: بِخِلَافٍ عَنْهُ، بِضَمِّ الطَّاءِ دُونَ هَمْزٍ، فَالظَّاهِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ خطىء كَقِرَاءَةِ مَنْ هَمَزَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ: الَّذِينَ يَتَخَطَّوْنَ الْحَقَّ إِلَى الْبَاطِلِ وَيَتَعَدَّوْنَ حُدُودَ اللَّهِ.
انْتَهَى. فَيَكُونُ اسْمَ فَاعِلٍ مَنْ خَطَا يَخْطُو، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ «١» ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ «٢» خَطَا إِلَى الْمَعَاصِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ، وَما لَا تُبْصِرُونَ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ، وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ.
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي لَا قَبْلَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «٣» ، وَقِرَاءَةُ الْحَسَنِ: لَأُقْسِمُ بِجَعْلِهَا لَا مَا دَخَلَتْ عَلَى أَقُسِمَ. وَقِيلَ: لَا هُنَا نَفْيٌ لِلْقَسَمِ، أَيْ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى قَسَمٍ لِوُضُوحِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَجَوَابُهُ جَوَابُ الْقَسَمِ. قَالَ مُقَاتِلٌ:
سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيدَ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: شَاعِرٌ، وَقَالَ: كَاهِنٌ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لَا تُبْصِرُونَ، عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا تُبْصِرُونَ مِنْ آثَارِ الْقُدْرَةِ، وَمَا لَا تُبْصِرُونَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُدْرَةِ. وَقِيلَ: وَما لَا تُبْصِرُونَ: الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ: الْأَجْسَادُ وَالْأَرْوَاحُ. إِنَّهُ: أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ، لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ: هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَنَسَبَ الْقَوْلَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ مُبَلِّغُهُ وَالْعَامِلُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ هُوَ الرَّسُولُ عَنِ اللَّهِ.
وَنَفَى تَعَالَى أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَاعِرٍ لِمُبَايَنَتِهِ لِضُرُوبِ الشِّعْرِ وَلَا قَوْلَ كَاهِنٍ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِسَبَبِ الشَّيَاطِينِ. وَانْتَصَبَ قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَوْ لِزَمَانٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٠٨، وسورة الأنعام: ٦/ ١٤٢.(٢) سورة النور: ٢٤/ ٢١.(٣) سورة الواقعة: ٥٦/ ٧٥. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute