فِي الْمَلَائِكَةِ: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ «١» ، قَالَهُ الْحَسَنُ، فَهِيَ صِفَةٌ سَابِقَةٌ فِيهِمْ، أَوْ لِإِكْرَامِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ، إِذْ خَدَمَهُمْ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ سَارَّةَ وَعَجَّلَ لَهُمُ الْقِرَا. وَقِيلَ: لِكَوْنِهِ رَفَعَ مَجَالِسَهُمْ فِي صِفَةٍ حَادِثَةٍ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ: الْمُكَرَّمِينَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ضَيْفَ، لِكَوْنِهِمْ فِي صُورَةِ الضَّيْفِ حَيْثُ أَضَافَهُمْ إِبْرَاهِيمُ، أَوْ لِحُسْبَانِهِ لِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ عَدَدِهِمْ فِي سُورَةِ هُودٍ. وَإِذْ مَعْمُولَةٌ لِلْمُكْرَمِينَ إِذَا كَانَتْ صِفَةً حَادِثَةً بِفِعْلِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِلَّا فَبِمَا فِي ضَيْفِ مِنْ مَعْنَى لفعل، أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مَنْقُولَةٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قَالُوا سَلَامًا، بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ السَّادِّ مَسَدَّ فِعْلِهِ الْمُسْتَغْنَى بِهِ.
قالَ سَلامٌ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ: عَلَيْكُمْ سَلَامٌ. قَصَدَ أَنْ يُجِيبَهُمْ بِأَحْسَنَ مِمَّا حَيَّوْهُ أَخْذًا بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ سَلَامًا دُعَاءٌ. وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ محذوف، أي أَمْرِي سَلَامٌ، وَسَلَامٌ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ قَدْ تَحَصَّلَ مَضْمُونُهَا وَوَقَعَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَتَّجِهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي سَلَامًا قَالُوا، عَلَى أَنْ يَجْعَلَ سَلَامًا فِي مَعْنَى قَوْلًا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا تَحِيَّةً وَقَوْلًا مَعْنَاهُ سَلَامًا، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَطَلْحَةُ: قَالَ سِلْمٌ، بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى: نَحْنُ سِلْمٌ، أَوْ أَنْتُمْ سِلْمٌ، وقرئا مرفوعين. وقرىء: سَلَامًا قَالُوا سِلْمًا، بِنَصْبِهِمَا وَكَسْرِ سِينِ الثَّانِي وَسُكُونِ لَامِهِ. قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: أَنْكَرَ سَلَامَهُمْ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَذَلِكَ الزَّمَانِ. وَقِيلَ: لَا نُمَيِّزُهُمْ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِمْ. وَقِيلَ: كَانَ هَذَا سُؤَالَهُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، فَعَرِّفُونِي مَنْ أَنْتُمْ. وَقَوْمٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ أَنْتُمْ، وَالَّذِي يُنَاسِبُ حَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَا يُخَاطِبُهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْإِنْسِ مَا لَا يَخْفَى، بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. وَقَالَ ذَلِكَ مَعَ نَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَغِلْمَانِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ ذَلِكَ الْأَضْيَافُ.
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ: أَيْ مَضَى أَثْنَاءَ حَدِيثِهِ، مُخْفِيًا مُضِيَّهُ مُسْتَعْجِلًا فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ: وَمِنْ أَدَبِ الْمُضِيفِ أَنْ يُخْفِيَ أَمْرَهُ، وأن يبادر بالقرى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ بِهِ الضَّيْفُ، حَذَرًا مِنْ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَجِيءَ بِالضِّيَافَةِ. وَكَوْنُهُ عَطَفَ، فَجَاءَ عَلَى فَرَاغَ يَدُلُّ عَلَى سرعة مجيئه بالقرى، وأنه كان معدا عِنْدَهُ لِمَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ «٢» ، وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ الْعِجْلُ سَابِقًا شَيُّهُ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
كَانَ غَالِبُ مَالِهِ الْبَقَرَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْضِرُ لِلضَّيْفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ. وكان عليه الصلاة
(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ٢٦.(٢) سورة هود: ١١/ ٦٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute