لِلْمَصْدَرِ بِالْفَتْحِ، وَلِلْمَكَانِ وَالزَّمَانِ نَحْوُ: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً «١» أَيْ: عَيْشًا، فَيَكُونُ:
الْمَحِيضُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ، وَالْمَصِيرُ بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ، عَلَى هَذَا شَاذًّا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّخْيِيرِ فِي الْمَصْدَرِ بَيْنَ أَنْ تَبْنِيَهُ عَلَى مَفْعِلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، أَوْ: مَفْعَلٍ بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَبِالْكَسْرِ. ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الزَّجَّاجُ، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّمَاعِ، فَحَيْثُ بَنَتِ الْعَرَبُ الْمَصْدَرَ عَلَى مَفْعِلٍ أو مَفْعِلٍ أَوْ مَفْعَلٍ اتَّبَعْنَاهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَحْوَطُ.
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ، خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ الْعِبَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ إِلَّا مَا هُوَ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ، وَمُقْتَضَى إِدْرَاكِهِ وَبِنِيَّتِهِ، وَانْجَلَى بِهَذَا أَمْرُ الْخَوَاطِرِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا الْآيَةَ، وَظَهَرَ تَأْوِيلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «٢» لِأَنَّهُ كَانَ فِي إِمْكَانِ الْإِنْسَانِ وَطَاقَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْسِ، وَيَصُومَ أَكْثَرَ مِنَ الشَّهْرِ، وَيَحُجَّ أَكْثَرَ مِنْ حِجَّةٍ. وَقِيلَ: هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: وَقَالُوا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا قَالُوا: كَيْفَ لَا نَسْمَعُ ذَلِكَ، وَلَا نُطِيعُ؟ وَهُوَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُنَا إِلَّا مَا فِي وُسْعِنَا؟ وَالْوُسْعُ دُونَ الْمَجْهُودِ فِي الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ مَا يَتَّسِعُ لَهُ قُدْرَةُ الْإِنْسَانِ.
وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ ليكلف. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُكَلِّفُ، يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ.
أَحَدُهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عِبَادَةً أَوْ شَيْئًا. انْتَهَى. فَإِنْ عَنَى أَنَّ أَصْلَهُ كَذَا، فَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا وُسْعَهَا، اسْتِثْنَاءٌ مُفْرَغٌ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ فِي الصِّنَاعَةِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلِ الثَّانِي هُوَ وُسْعَهَا، نَحْوُ: مَا أَعْطَيْتُ زَيْدًا إِلَّا دِرْهَمًا، وَنَحْوُ: مَا ضَرَبْتُ إِلَّا
(١) سورة النبأ: ٧٨/ ١١.(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٨٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute