فِيهَا مَاءٌ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى: إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ «١» وَخُصَّتْ بِأَنَّ سُقْيَاهَا الْوَابِلُ لَا الْمَاءُ الْجَارِي فِيهَا عَلَى عَادَةِ بِلَادِ الْعَرَبِ بِمَا يُحِسُّونَهُ كَثِيرًا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن عُمَرَ الرَّازِيُّ: الْمُفَسِّرُونَ قَالُوا: الْبُسْتَانُ إِذَا كَانَ فِي رَبْوَةٍ كَانَ أَحْسَنَ، وَأَكْثَرَ رِيعًا، وَفِيهِ لِي إِشْكَالٌ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَلَا تَرْتَفِعُ إِلَيْهِ الْأَنْهَارُ، وَتَضْرِبُهُ الرِّيَاحُ كَثِيرًا، فَلَا يُحْسَنُ رِيعُهُ. وَإِذَا كَانَ فِي وَهْدَةٍ انْصَبَّتْ إِلَيْهِ الْمِيَاهُ، وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ آثَارُ الرِّيَاحِ، فَلَا يُحْسَنُ أَيْضًا رِيعُهُ، وَإِنَّمَا يُحْسَنُ رِيعُهُ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَالْمُرَادُ بِالرَّبْوَةِ لَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ، وَإِنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ طَيِّبَةً بِحَيْثُ إِذَا نُظِرَ نُزُولُ الْمَطَرِ عَلَيْهَا انْتَفَخَتْ وَرَبَتْ، فَيَكْثُرُ رِيعُهَا، وَتَكْمُلُ الْأَشْجَارُ فِيهَا. وَيُؤَيِّدُهُ: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً «٢» الْآيَةَ.
وَأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَثَلِ الْأَوَّلِ، وَالْأَوَّلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْمَطَرُ، وَهُوَ: الصَّفْوَانُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ، وَمَا قَالَهُ قَالَهُ قَبْلَهُ الْحَسَنُ. الرَّبْوَةُ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي لَا تَعْلُو فَوْقَ الْمَاءِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي رِيَاضِ الْحَزْنِ:
مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا وَابِلٌ هَطِلُ
وَلَا يُرَادُ: بِرِيَاضِ الْحَزْنِ، رِيَاضُ الرُّبَا، كَمَا زَعَمَ الطَّبَرِيُّ، بَلْ: رِيَاضُ الْحَزْنِ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى نَجْدٍ، وَنَجْدٌ يُقَالُ لَهَا: الْحَزْنُ، وَإِنَّمَا نُسِبَتِ الرَّوْضَةُ إِلَى الْحَزْنِ وَهُوَ نَجْدٌ، لِأَنَّ نَبَاتَهُ أَعْطَرُ، وَنَسِيمَهُ أَبْرَدُ، وَأَرَقُّ. فَهِيَ خَيْرٌ مِنْ رِيَاضِ تِهَامَةَ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالضَّمِّ. وَكَذَلِكَ خِلَافُهُمْ فِي قَدْ أَفْلَحَ «٣» وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: بِرَبَاوَةٍ، عَلَى وَزْنِ:
كَرَاهَةٍ. وَأَبُو الْأَشْهَبِ الْعُقَيْلِيُّ: بِرِبَاوَةٍ، عَلَى وَزْنِ رِسَالَةٍ.
أَصابَها وابِلٌ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لجنة، وبدىء بِالْوَصْفِ بِالْمَجْرُورِ، ثُمَّ بِالْوَصْفِ بِالْجُمْلَةِ، وَهَذَا الْأَكْثَرُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وبدىء بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ، وَهُوَ: كَوْنُهَا بِرَبْوَةٍ، ثُمَّ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِ، وَهُوَ أَصابَها وابِلٌ وَجَاءَ فِي وَصْفِ صَفْوَانَ قَوْلُهُ: عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، وَهُنَا لَمْ يُعْطَفْ، بَلْ أُخْرِجَ صِفَةً، وَيُنْظُرُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ
(١) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٥٠.(٢) سورة الحج: ٢٢/ ٥.(٣) سورة طه: ٢٠/ ٦٤ والمؤمنون: ٢٣/ ١ والأعلى: ٨٧/ ١٤ والشمس: ٩١/ ٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute