بإذكار ما وقع غفاله، وَتَحْسِينِهِ بِوَسَاوِسِهِ إِيَّاهَا لَهُمْ، وَقِيلَ: الْمُزَيِّنُ، نُفُوسُهُمْ كَقَوْلِهِ: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ «١» فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ «٢» وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي «٣» وَقِيلَ: شُرَكَاؤُهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «٤» الْآيَةَ وَقَالَ: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ «٥» .
وَقِيلَ: الْمُزَيَّنُ هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا قَالَ: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ «٦» .
وَقِيلَ: الْمُزَيَّنُ الْمَجْمُوعُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيفُ الْمُؤْمِنِينَ بِسَخَافَةِ عُقُولِ الْكُفَّارِ حَيْثُ آثَرُوا الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي.
وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَتَقَدَّمَ مَنْ هُمْ، وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي: الَّذِينَ آمَنُوا، فِي سَبَبِ النُّزُولِ، وَمَعْنَى: يَسْخَرُونَ: يَسْتَهْزِئُونَ، وَذَلِكَ لِفَقْرِهِمْ، أَوْ: لِاتِّبَاعِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، أَوْ: لِاتِّهَامِهِمْ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، أو لِضَعْفِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: زُيِّنَ، وَلَا يُلْحَظُ فِيهَا عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الْفِعْلِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ اتِّحَادُ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمِ اتِّحَادُ الصِّيغَةِ، وَصُدِّرَتِ الْأُولَى بِالْفِعْلِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَهُوَ تَرْكِيبُ طِبَاعِهِمْ عَلَى مَحَبَّةِ الدُّنْيَا، فَلَيْسَ أَمْرًا مُتَجَدِّدًا، وَصُدِّرَتِ الثَّانِيَةُ بِالْمُضَارِعِ، لِأَنَّهَا حَالَةٌ تَتَجَدَّدُ كُلَّ وَقْتٍ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَيِ: الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ، وَمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَكُونَ عَلَى إِضْمَارِهِمُ التَّقْدِيرَ: وَهُمْ يَسْخَرُونَ، فَيَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَصِيرُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ.
وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَوْقَ: ظَرْفُ مَكَانٍ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَالِهِ مِنَ الظَّرْفِيَّةِ الْمَكَانِيَّةِ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ، وَالْكُفَّارَ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: الْفَوْقِيَّةُ، مَجَازٌ إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّعِيمَيْنِ: نَعِيمِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَنَعِيمِ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُجَجِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشُبَهِ الْكُفَّارِ لِثُبُوتِ الْحُجَجِ وَتَلَاشِي الشُّبَهِ، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا زَعَمَ الْكُفَّارُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنْ كَانَ لَنَا مُعَادٌ فَلَنَا فِيهِ الْحَظُّ، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
(١) سورة يوسف: ١٢/ ٥٣.(٢) سورة المائدة: ٥/ ٣.(٣) سورة طه: ٢٠/ ٩٦.(٤) سورة الأنعام: ٦/ ١٣٧.(٥) سورة الأنعام: ٦/ ١١٢.(٦) سورة الحديد: ٥٧/ ٢٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute