للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي يئول إليها المعنى التي هي آخيته وأصله، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل. فمعرفة التأويل يختص بها الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى، فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه، والله يعلم بطلانه؛ إلى أن قال رحمه الله:

وكل فرقة من هؤلاء الفرق الثلاث: يعني نفاة القياس بالكلية، والغالين فيه؛ والقائلين بأن العلل الشرعية أمارات وعلامات فقط، لا مصالح أنيطت بها الأحكام وشرعت من أجلها؛ سدوا على أنفسهم طريقًا من طرق الحق؛ فاضطروا إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحتمله. فنفاة القياس لما سدوا على نفوسهم باب التمثيل والتعليل، واعتبار الحكم والمصالح، وهو من الميزان والقسط الذي أنزله الله؛ احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، فحملوها فوق الحاجة، ووسعوهما أكثر مما يسعانه. فحيث فهموا من النص حكمًا أثبتوه ولم يبالوا مما وراءه، وحيث لم يفهموه منه نفوه وحملوا الاستصحاب، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد. وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس، وتركهم له، وأخذوا بقياس تركهم وما هو أولى منه؛ ولكن أخطئوا من أربعة أوجه:

أحدها: رد القياس الصحيح، ولاسيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ، ولا يتوقف عاقل في أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما لعن عبد الله حمارًا على كثرة شربه للخمر: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" بمنزلة قوله: