نزاع بين السلف. وقد رام بعض نفاة القياس إدخال هذه المسائل المجمع عليها في العمومات اللفظية، فأدخل قذف الرجال في قذف المحصنات، وجعل المحصنات صفة للفروج لا للنساء. وأدخل صيد الجوارح كلها في قوله:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}، وقوله:{مُكَلِّبِينَ} وإن كان من لفظ الكلب فمعناه مغرين لها على الصيد؛ قاله مجاهد والحسن، وهو رواية عن ابن عباس. وقال أبو سليمان الدمشقي:{مُكَلِّبِينَ} معناه معلمين، وإنما قيل لهم:{مُكَلِّبِينَ} لأن الغالب من صيدهم إنما يكون بالكلاب، وهؤلاء وإن أمكنهم ذلك في بعض المسائل، كما جزموا بتحريم أجزاء الخنزير لدخوله في قوله:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وأعادوا الضمير إلى المضاف إليه دون المضاف؛ فلا يمكنهم ذلك في كثير من المواضع، وهم يضطرون فيها ولابد إلى القياس أو القول بما لم يقل به غيرهم ممن تقدمهم؛ فلا يعلم أحد من أئمة الفتوى يقول في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن فأرة وقعت في سمن:"ألقوها وما حولها وكلوه"؛ إن ذلك مختص بالسمن دون سائر الأدهان والمائعات. هذا مما يقطع بأن الصحابة والتابعين وأئمة الفتيا لا يفرقون فيه بين السمن والزيت والشيرج والدبس، كما لا يفرق بين الفأرة والهرة في ذلك.
وكذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر، لا يفرق عالم يفهم عن الله رسوله بين ذلك وبين بيع العنب بالزبيب. ومن هذا أن الله سبحانه قال في المطلقة ثلاثًا:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي إن طلقها الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا. والمراد به تجديد العقد، وليس ذلك مختصًا بالصورة التي يطلق