وقال سيبويه:((وتقول في النصب على حدّ قولك من دونٍ، ومن أمامٍ:
جلست أماماً، كما قلت: يمنةً وشأمةً، قال الجعديّ (١):
لها فَرَطٌ يكونُ ولا تَراهُ
أَماماً من مُعَرَّ سنا ودُونَا
فإن قيل: تخصيصُه النصبَ في هذه الأشياءِ إذا قُصِد تنكيرهُا دون الجرّ والرفع، ظاهرُ التحكُّم من غير دليلٍ، وأمرٌ لا يساعده عليه سماعٌ؛ فإن أكثر ما ذُكِر يدخل فيه الجرُّ وغيره؛ ألا ترى أنك تقول: أتيتُه من فوقٍ ومن تحتٍ، وفي بعض القراءات المحكيَّةِ:(لله الأمرُ من قبلٍ ومن بعدٍ (٢))، ومن دونٍ، ومن دُبُرٍ (٣)، وما أشبه ذلك. قال سيبويه:((وسألته- يعني الخليل- عن قوله: من دونٍ، ومن فَوقٍ، ومن تحتٍ، ومن قَبْلٍ، ومن بَعْدٍ، ومن دُبُرٍ، ومن خلفٍ- فقال: أجروا هذا مُجرى الأسماء المتمكنة لأنها تضافُ، وتستعمل غير ظرفٍ)). ثم قال:((وكذلك من أمامٍ، ومن قُدَّامٍ، ومن وراءٍ/، ومن قبُلٍ، ومن دُبُرٍ)). قال:((وزعم الخليلُ أنهنَّ ٣٩٥ نكراتٌ كقول أبي النجم (٤):
(١) النابغة الجعدي، شعرُ ٢١٠. والبيت في الكتاب ٣/ ٢٩١، واللسان: دون. الفرط: المتقدّمون. يصف كتيبة إذا عرست في مكان كان لها فضول متقدمة ومتأخرة لا تقع العين عليها لبعدها. (٢) الآية ٤ من سورة الروم، وقد نسبت هذه القراءة إلى أبي السمال والجحدري وعون العقيلي كما في البحر المحيط ٧/ ١٦٢، ولم يَحْك الفراء في هذت قراءة ولكنه أجازها عربية، انظر المعاني ٢/ ٣٢٠ - ٣٢١، وإعراب القرآن للنحاس ٢/ ٥٧٨ - ٥٧٩. (٣) بعده في الأصل: ((ومن خلف)). ولعله زيادة دخلت النصّ من الفقرة التالية. (٤) الكتاب ١/ ٢٢١، ٣/ ٢٩٠، ٦٠٧، ونوادر أبى زيد ١٦٥، والخصائص ٢/ ١٣٠، ٣/ ٦٨، والمنصف ١/ ٦١، وأمالي ابن الشجري ١/ ٣٠٦، والإنصاف ٤٠٦.