ولكن مجرد ذكر الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية، بل الخلود هو المكث الطويل، كقولهم:«قَيْد مُخَلّد» و «تأبيد كل شيء بحسبه»، فقد يكون التأبيد لمدة الحياة، وقد يكون لمدة الدنيا، قال تعالى عن اليهود:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[البقرة: ٩٥]، ومعلوم أنهم يتمنّونه في النار حيث يقولون:{يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف: ٧٧].
وإنما استفيد عدم انتهاء نعيم الجنة بقوله تعالى: {(٥٣) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ} [ص: ٥٤]، وقوله:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود: ١٠٨]، وقوله:{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[الإنشقاق: ٢٥]، أي غير مقطوع (٢)، ومَن قال: لا يُمَنُّ به عليهم، فقد أخطأ أقبح الخطأ. ولم يجئ مثل ذلك في عذاب أهل النار.
وقوله عز وجل:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: ١٦٧]، {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}[الحجر: ٤٨]، وقوله تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}[فاطر: ٣٦]، وقوله تعالى:{أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ}[السجدة: ٣٠] في موضعين من القرآن، وقوله:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}[النساء: ٥٦] غير مصروف عن ظاهره وحقيقته على الصحيح.
(١) جملة: «وقد يفرد أهل الغضب بالذكر ويقضي لهم بالخلود» ساقطة من «د». (٢) «د»: «أي مقطوع».