للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٢٤)

وقال (١) يصف -الثريا ومرّ في الراء-:

والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطًا كفَّه ليَقْبِضَ جاما

(١٢٥)

وقال (٢) يمدح وسَلسَلَ بالعَنْعنة:

أصحّ وأقوى ما سمعناه في الندى ... من الخبر الماثور منذُ قديم

أحاديثُ ترويها السيولُ عن الحَيا ... عن البحر عن كفّ الأمير تميم


= بأمري فارتمض. وبعد أن تمكن أنسى بمجالسته قال لي يومًا: يا أبا عبد الله أن ها هنا بالقيروان غلامًا قد سلب كبدي، واستولى هواه على خلدي، منذ عشرة أعوام. فانهض بنا إليه فإن أنت ساعدتني عليه قدمت عندي يدًا لا يعدلها إلا رضاه. فقلت سمعًا وطاعة وسرت معه حتى جئنا صاغة الجوهريين (؟) فإذا غلام وكأنه بدر تمام، صافي الأديم عطر النسيم، كأنما يبسم عن در ويسفر عن بدر، قد ركب كافور عارضيه ومسك صدغيه، على بياض يجرحه الوهم يخاطره ويدنيه الطرف بناظره. فلما رآنا الغلام علتْهُ خجلة سلبت وجه أبي على ماءه، وأنشدته قول الصنوبري:
إنه من علامة العشاق ... اصفرار الوجوه عند التلاقي
وانقطاع يكون من غير عي ... وولوع بالصمت والإطراق
فقال لي والله ما واجهته قط قبل يومي هذا إلا غشي علي ولكنني أنست بك وشغلت بعذوبة لفظك مع أني لم أرو طرفي من وجهه المقمر، ولا متعته بقده المثمر لتنكيسه رأسه عند طلوعي إليه. فقلت ولم ينكس رأسه فوالله ما رأيت أشبه بالبدر منه خدًا، وبالغصن قدًّا، ولا بالدر ثغرًا، ولا بالمسك شعرًا. فقال يا أبا عبد الله ما أبصرك بمحاسن الغلمان لاسيما من فضضت كف الجمال صفحته وذهّبت وجنته، وخافت على تفاح خده العيون، فوكلت بها الجفون. يا أبا عبد الله ينكس رأسه لأني علقته وخده هلالي، وطرفه غزالي، وفرعه ظلامي، ولحظه بابلي، وقده قضيبي، وردفه كثيبي، وخصره ساجي، وصدره عاجي، فكأن طرفي يشرب كافوره بالعقيق، فيحرج لذلك صدر العشيق، حتى بدا عذاره، فأبدى من نميمه، نقشًا على فضي أديمه، فتوهم ذلك الطاهر الأعراق، الطيب الأخلاق، أن ذلك مما يضعف قوى محبتي، ويمحو رسوم مودتي. فقلت له: بحقي عليك يا أبا علي إلا قلت في هذا المعنى شيئًا فأطرق قليلًا ثم أنشد. . انتهى هرفه وسرفه.
(١) وراجعه مع أبيات عبد الوهاب وبيتي ابن رشيق في الراء- المعاهد ١: ١٤٠، البساط ٦٥، فوات الوفيات ٢: ٢٤.
(٢) ابن خلكان ١: ٩٨، المعاهد ١: ٢١٩، البساط ٧٣، حسن التوسل ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>