(٧) باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذَّب عن الشريعة المكرمة
وعبارةُ "المفهم" هنا (١/ ١٢١ - ١٢٢): "أَنَّ الإِسنادَ من الدِّينِ" أي: من أُصُوله؛ لأنَّه لمَّا كان مرجعُ الدِّينِ إِلى الكتاب والسنةِ، والسُّنَّةُ لا تُؤْخَذُ عن كُلِّ أَحَدٍ .. تَعَيَّنَ النَّظَرُ في حالِ النَّقَلَةِ واتِّصَالِ روايتِهم، ولولا ذلك .. لاخْتَلَطَ الصادقُ بالكاذب، والحق بالباطل، ولمَّا وَجَبَ الفَرْقُ بينهما .. وَجَبَ النَّظَرُ في الأسانيد، وهذا الذي قاله ابنُ المبارك قد قاله أنسُ بن مالك وأبو هريرة ونافعٌ مولى ابن عُمَرَ وغيرُهم، وهو أمرٌ واضحُ الوجوبِ لا يُخْتَلَفُ فيه.
وقال عقبةُ بن نافعِ لبَنِيه: يا بَنِيَّ؛ لا تَقْبَلُوا الحديثَ إلا من ثِقَةٍ.
وقال ابنُ مَعِين: كان فيما أوصى به صُهَيبٌ بَنِيه أَنْ قال: يا بَنِيَّ؛ لا تَقْبَلُوا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثِقة.
وقال ابنُ عَوْنٍ: لا تأخذوا العِلْمَ إلا ممن يُشْهَدُ له بالطلب.
وقال سُلَيمان بن موسى: لا يُؤْخَذُ العِلْمُ من صَحَفِيٍّ (١) -وهو مَنْ يُخطئ في قراءة الصحيفة، ومَنْ يَعْتَمِدُ في رواياته على الصُّحُف دون الرجال (٢).
(١) قال ابن هشام اللخمي: (ويقولون لمن يقتبس من الصُّحف: صُحُفي، والصوابُ عند النحويين البصريين أن ينسب إِلى واحدة الصُّحُف، وهي صَحِيفة، فيُقال: صَحَفيٌّ بفتحتين). "المدخل إِلى تقويم اللسان" (ص ١٤٦)، و"تدريب الراوي" (٢/ ٢٠٨). (٢) وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (٧/ ١١٤) في ترجمة (عبد الرحمن بن عَمْرو الأوزاعي) المتوفى سنة سبع وخمسين ومائة، ما نصُّه: (قال الوليد بن مسلم: كان الأوزاعيُّ يقول: كان هذا العلم كريمًا، يتلقاه الرجالُ بينهم، فلمَّا دَخَلَ في الكُتُب ... دَخَلَ فيه غيرُ أهلهِ. =