(فقال) إِياسٌ لي في سؤاله: (إِنّي أَرَاكَ) يا سفيانُ (قد كَلِفْتَ) وَوَلعْتَ وانْجَذَبْتَ (بعِلْمِ القرآنِ) قراءةً وتفسيرًا (فاقْرَأْ) يا سفيانُ (عَلَيَّ سُورَةً) واحدةً من القرآن (وفَسِّرْ) ها لي (حتى) أستمعَ منك قراءتَه و (أَنْظُرَ) بقلبي (فيما عَلِمْتَـ) ـه من معاني القرآن وفَهِمْتَه (١).
قال السنوسيُّ: (قوله: "كَلِفْتَ" وهو بفتح الكاف وكسر اللام وبالفاء، معناه: وَلِعْتَ به ولازَمْتَه، وقال بعضُهم (٢): الكلفُ: الإِيلاعُ بالشيء مع شغل قلبٍ ومشقة) (٣).
وفي "المفهم"(١/ ١١٧): ("كَلِفْتَ" هو بكسر اللام، من الكَلَف بالشيء بفتح اللام، وهو الولوعُ به والمحبّةُ له والاعتناءُ به وهكذا صَحتْ روايتُنا فيه، وقد رُويَ من طريق الطبري:"عَلِقْتَ" وهو من العلاقة وهي المحبّة").
(قال) سفيانُ: (فَفَعَلْتُ) بضم التاء ما أَمَرَني به إِياسٌ من القراءةِ عليه والتفسيرِ له.
قال سفيان:(فقال لي) إِياسٌ بعد ما قرأتُها عليه وفَسَّرْتُها له: (احْفَظْ عَلَيَّ) أي: اسْتَمعْ مني يا سفيان (ما أقولُـ) ـه (لك) من النصيحة، واقْبَلْه مني، واجْعَلْه محفوظًا عندك غيرَ مَنْسِيٍّ، وذلك المقولُ هو قولي لك:(إيَّاكَ والشَّنَاعَةَ في الحديثِ) و (إِيَّاكَ) منصوبٌ على التحذيرِ بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا؛ لقيام العاطف مقامَه، تقديرُه: بَاعِدْ نفسَك يا سفيانُ عن الشَّنَاعَةِ والنكارةِ والوَضْعِ والاختلاق
(١) قال السنوسي: (قوله: "وَفَسِّرْ حتى أَنْظُرَ فيما عَلِمْتَ" يُوجَدُ بفتح التاء وهو الأظهر، وبضمّها، ويحتملُ أنْ تكونَ "في"حينئذٍ شبيةً، والله أعلم). "مكمل إكمال الإكمال" (١/ ٢٠) (٢) وهو الزمخشري كما صرَّح بذلك ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص ١٢٢)، وقول الزمخشري في كتابه "الفائق في غريب الحديث" (٣/ ٢٧٦). (٣) "مكمل إكمال الإكمال" (١/ ٢٠)، وهو من كلام الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (١/ ٧٥). وانظر "إِكمال المعلم" (١/ ١١٦).