فيطلقون «النَّسْخ» على تقييد المطلق وتخصيص العام، فيقولون: هذا ناسخٌ؛ يعني: مخَصِّصٌ، أو هذا ناسخٌ؛ يعني: مُقَيِّدٌ، ويقولون: هذا منسوخٌ، ويريدون به العام المخصوص أو المطلق الذي ورد ما يُقَيِّدُه.
فليس مرادُ السَّلَفِ ب «النَّسخ» إذاً أنه (رفع حكم الدليل المتقدِّم بدليلٍ متأخِّرٍ عنه)، كما هو اصطلاح الأصوليين المتأخِّرين (١).
وقد يجري هذا على مذهب من يقول من الأصوليين: إن الزيادة على النَّصِّ نَسخٌ، وهذا مذهبٌ معروفٌ ومشهورٌ عن الحنفية (٢).
وحَمْلُ كلام الأئمة من السَّلَف على التوجيه الأول أولى؛ لأن الذين يقولون: إن الزيادة على النصِّ نَسْخٌ، هم يريدون به حقيقة «النَّسْخِ» المراد عند الأصوليين، من أنَّه (رَفعُ حكمِ الدَّليل المتقدِّم بالدَّليل المتأخِّر).
ولهذا قال مَنْ قال من الفقهاء - وهو كما ذكرتُ مشهورٌ عن الحنفية (٣) -: إن زيادة حكم «التغريب» على «الجلد» في حدِّ الزاني البِكْر نَسْخٌ؛ لأنَّ حكم «التغريب» الوارد في السُّنَّة هو حكمٌ زائدٌ على ما ورد في القرآن في قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢].
قالوا: ف «التغريب» زيادةٌ على النصِّ، والزيادة على النصِّ نَسْخٌ، ونَسْخُ القرآنِ بالسُّنَّةِ لا يجوز، فلم يأخذوا بحكم «التغريب» من أجل ذلك.