قال أبو القاسم الآمدي في قول البحتري (١): [من البسيط]
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق ... وحاك ما حاك من وشي وديباج
صوغ الغيث النبت وحوكه النبات، ليس باستعارة بل هو حقيقة، ولذلك لا يقال:«هو صائغ» ولا «كأنه صائغ» وكذلك لا يقال: «حائك» و «كأنه حائك»، على أن لفظة «حائك» خاصّة في غاية الركاكة، إذا أخرج على ما أخرجه عليه أبو تمام في قوله (٢): [من الطويل]
إذا الغيث غادى نسجه خلت أنّه ... خلت حقب حرس له وهو حائك
وهذا قبيح جدّا، والذي قاله البحتري:«وحاك ما حاك»، حسن مستعمل، فانظر ما بين الكلامين لتعلم ما بين الرّجلين.
قد كتبت هذا الفصل على وجهه، والمقصود منه منعه أن تطلق الاستعارة على «الصوغ» و «الحوك»، وقد جعلا فعلا للربيع، واستدلاله على ذلك بامتناع أن يقال:
«كأنه صائغ» و «كأنه حائك».
اعلم أن هذا الاستدلال كأحسن ما يكون، إلا أن الفائدة تتمّ بأن تبيّن جهته، ومن أين كان كذلك؟ والقول فيه: إن التشبيه كما لا يخفى يقتضي شيئين مشبّها ومشبّها به. ثم ينقسم إلى الصريح وغير الصريح، فالصريح أن تقول:«كأنّ زيدا الأسد»، فتذكر كل واحد من المشبّه والمشبّه به باسمه- وغير الصريح أن تسقط المشبّه به من الذكر، وتجري اسمه على المشبّه كقولك:«رأيت أسدا»، تريد رجلا شبيها بالأسد، إلا أنك تعيره اسمه مبالغة وإيهاما أن لا فصل بينه وبين الأسد، وأنه قد استحال إلى الأسدية.
(١) البيت في ديوانه فانظره. والتّبر: الذهب كله وقيل: الذهب المكسور، وقيل: الفتات من الذهب والفضة والورق والورق: الدراهم المضروبة. والوشي: من الثياب وهو يكون من كل لون والجمع: وشاء. والديباج: ضرب من الثياب والدّبج: النقش والتزيين والديباج جمعها: دبابيج وديابيج. (٢) البيت في ديوانه ص ٢١١، والبيت فيه «أتت» بدل «خلت» وهو من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري مطلعها: قرى دراهم منّي الدموع السوافك ... وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك والسوافك: المنصبة، والحالك: الأسود. وقال الشيخ شاكر: انتهى كلام أبي القاسم الآمدي هنا وهو في كتابه الموازنة ١/ ٤٩٧، ٤٩٨ (المعارف). ونقله الشيخ (يقصد عبد القاهر) في دلائل الإعجاز رقم ٦٤٧ ص ٥٥٣ اه. والحقبة: مدة من الدهر جمعها حقب، والحرس: الدهر.