أما قياس العلّة فكثير في القرآن. قال تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}(١).
وردت في هذه الآية إشارة إلى من كان قبلنا من القرون. ثم الحديث عمن لحق بهم من غيرهم. وتبيّن أن ذلك كان لمعنى القياس وهو ذنوبهم في الأصل. والجاهليون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الفرع، والذنوب العلة الجامعة، والحكم الهلاك. فهذا محض قياس العلة (٢).
وأما قياس الدلالة فهو الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلّة، وملزومها. ومنه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}(٥). وبيانه: إنكم إن كنتم في ريب من البعث فلستم ترتابون في أنكم مخلوقون، ولستم ترتابون في مبدأ خلقكم من حال إلى حال
(١) سورة الأنعام، الآية: ٦. (٢) ابن القيم. إعلام الموقعين: ١/ ١٣٤. (٣) سورة آل عمران، الآية: ٥٩. (٤) سورة آل عمران، الآية: ١٣٧. (٥) سورة الحج، الآية: ٥.