قالوا: والله لو كان حيًّا، كان عيبًا فيه؛ لأنَّه أسكُّ، فكيف وهو ميِّتٌ؟ فقال:(فوالله للدُّنيا أهون على الله، من هذا عليكم)(١).
وفي إحدى الغزوات قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبيٍ، فإذا امرأةٌ من السبي تبحث عن صبيِّها الصغير الذي فقدته، فوجدته فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النَّار؟)، قلنا: لا والله، وهي تقدر على ألاَّ تطرحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها)» (٢).
(٤) - ومن الهدي النبويِّ في الوعظ: التعميم في الخطاب: (ما بال أقوام)، هذا هو الأصل المطَّرد، والأعمُّ الأغلب في وعظه - صلى الله عليه وسلم -، ويندر أن ينصَّ على شخصٍ بعينه؛ فإنَّ النفوس تكره وتنفر من مثل هذا.
٥ - الإيجاز والاختصار، وعدم الإطالة إلا نادرًا لمصلحةٍ عارضةٍ.
ومن تأمَّل في مواعظ الصحابة - رضي الله عنهم -، وجدهم قد ساروا على هذا الهدي العظيم، فهم خير هذه الأمة، وأبرُّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلُّها تكلُّفاً - كما وصفهم بذلك الحسن البصريُّ رحمه الله - (٣).
ولما سبقت الإشارة إليه؛ وقع الاختيار على مواعظهم، للتعليق على ما تيسَّر منها؛ لتميُّزها بعدة مزايا:
١ - أنها مواعظ صادرةٌ عن تلاميذ سيِّد الواعظين - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - أنَّهم جمعوا بين العلم العميق المؤصَّل، وسهولة العبارة التي جعلتهم يتكلَّمون بكلامٍ يفهمه عامة الناس في عصرنا فضلًا عمَّن
(١) صحيح مسلم (٤/ ٢٢٧٢). (٢) البخاري (٥٩٩٩)، مسلم (٢٧٥٤). (٣) الشريعة، للآجري (٤/ ١٦٨٦)