«ولقد صدق؛ فإنَّ أكثر معروفات هذه الأعصار منكراتٌ في عصر الصحابة - رضي الله عنهم -»(١).
وكلمة حذيفة هذه تلتقي تمامًا مع كلمةٍ لأنسٍ - رضي الله عنه -: «إنَّكم لتعملون أعمالًا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، إن كنا لنعدُّها على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات»(٢)، بوَّب عليه البخاريُّ بقوله: باب ما يتَّقى من محقَّرات الذُّنوب.
وسبب ذلك:«أنَّ معرفة الصحابة بجلال الله أتمُّ، فكانت الصغائر عندهم -بالإضافة إلى جلال الله تعالى -من الكبائر»(٣).
وما أشار إليه حذيفة يدركه المشاهد لواقع الناس بلا تكلُّفٍ والشأن كلَّ الشأن في المعنيين الأخيرين اللذين ذكرهما حذيفة، وهما:
١ - عدم خفاء الحقِّ، ومعرفته، وألا ينقلب المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا؛ ولهذا لمَّا قيل للإمام أحمد رحمه الله في أيام المحنة: يا أبا عبد الله، أولا ترى الحقَّ كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلَّا، إنَّ ظهور الباطل على الحقِّ أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحقِّ (٤).
وأمَّا المعنى الثاني الذي نبَّه عليه حذيفة، فهو:
٢ - معرفة قيمة العالم، وعدم الاستخفاف به، يقول ابن المبارك رحمه الله:«من استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرته»(٥)، ومن الكلمات السائرة كلمة ابن عساكرٍ رحمه الله: «لحوم العلماء مسمومة،
(١) إحياء علوم الدين (١/ ٨٠). (٢) البخاري ح (٦٤٩٢). (٣) إحياء علوم الدين (٤/ ٣٢). (٤) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٣٨). (٥) تاريخ دمشق؛ لابن عساكر (٣٢/ ٤٤٤).