مات حذيفة - رضي الله عنه - بالمدائن بعد مقتل عثمان بن عفَّان بأشهرٍ، وقيل: أربعين يومًا، سنة ستٍّ وثلاثين، وله ذرِّيَّةٌ بالمدائن (١).
• أمَّا مواعظه التي نُقلت عنه، فكثيرةٌ، ولكن سننتخب منها شيئًا، ونترك أشياء؛ لأنَّ الغرض التذكير، فمن مواعظه - رضي الله عنه - قوله (٢):
«خالص المؤمن، وخالط الكافر، ودينك لا تكلمنَّه».
والمعنى: أخلص في تعاملك مع أخيك المؤمن، ولا حرج أن تخالط الكافر إذا احتجت لذلك، لكن الأهمُّ هو: أن تحافظ على دينك لا يُكلم، ولا يُخدش، ولا يُجرح! ذلك أنَّ بعض الناس إذا خالط الفسَّاق -فضلًا عن الكفار- تنازل عن بعض مبادئه، أو استحيا من إظهار شعائره!
وما أحوج الإخوة الذين يسافرون إلى بلاد الكفر -لعلاجٍ أو تجارةٍ أو ابتعاثٍ -أن يستحضروا هذا المعنى، وأن يتذكَّروا قوله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٣٩]!
ويعجبني في هذا المقام ذكر قصةٍ لأحد التجار الكبار في بلادنا -سمعتها منه -حيث سافر لبريطانيا، وكان من ضمن برنامجه: زيارة مدير أكبر بنكٍ في بريطانيا -وهو من أكبر بنوك العالم - فدعاه المدير لطعام الغداء، فوافق؛ ولكنَّه -وبعزَّة المسلم -اشترط عليه: ألَّا يكون على المائدة خمرٌ ولا لحم خنزيرٍ، وألا يختلط الرجال بالنساء، فوافق المدير.
(١) الطبقات الكبرى؛ لابن سعد (٦/ ٩٤)، تاريخ بغداد (١/ ١٧٥)، الاستيعاب (١/ ٣٣٤). (٢) حلية الأولياء (١/ ٢٨٠).