فَوَقَفَ على البَابِ، وحَضَرَ النَّاسُ وخَرَجَتْ مِنَ الدَّارِ (١) في الهَوْدَجِ فَوَدَّعَتِ النَّاسَ، ودَعَتْ لَهُم، وقَالَتْ: يابَنِيَّ لا يَعْتَبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ إنَّهُ واللهِ ما كانَ بَيْنِي وبَيْنَ عَلِيٍّ في القَدِيْمِ إلاَّ ما يَكُوْنُ بَيْنَ المَرْأةِ وأحْمَائِهَا.
فَقَال عَلِيٌّ: صَدَقَتْ واللهِ ما كان بَيْنِي وبَيْنَهَا إلاَّ ذَاكَ، وإنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وسَارَ عَلِيٌّ مَعَهَا مُوَدِّعًا ومُشَيِّعًا أمْيَالاً، وسَرَّحَ بَنِيْهِ مَعَهَا بَقِيَّةَ ذَلِكَ اليَوْمِ، وكان يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثِيْنَ، وقَصَدَتْ في مَسِيْرِهَا ذَلِكَ إلى مَكَّةَ، فأقَامَتْ بِهَا إلى أنْ حَجَّتْ عامَهَا ذَلِكَ ثمَّ رَجَعَتْ إلى المَدِيْنَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا» (٢).
* * *
وممَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِشَأنِ مَوْقِعَةِ الجَمَلِ تَبَيَّنَ أنَّ القِتَالَ وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِيْمَا بَيْنَهُم كان بِدُوْنِ قَصْدٍ مِنْهُم ولا اخْتِيَارٍ، وأنَّ حَقِيْقَةَ المُؤَامَرَةِ الَّتي قَامَ بِهَا قَتَلَةُ عُثْمَانَ خَفِيَتْ على كِلا الفَرِيْقَيْنِ حتَّى ظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمَا أنَّ الفَرِيْقَ الآخَرَ قَصَدَهُ بالقِتَالِ.
(١) هي دَارُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلَفٍ الخُزَاعِيِّ، وهي أعْظَمُ دَارٍ كانَتْ في البَصْرَةِ، انْظُرْ «تارِيْخَ الطَّبَرِيِّ» (٤/ ٥٣٩)، و «البِدَايةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (٧/ ٢٦٧).(٢) «البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ» لابنِ كَثِيْرٍ (٧/ ٢٦٨ - ٢٦٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute