فمَن جاءته مِنْ هذه الوصايا المُشتملةِ على الضِّرار بوجهٍ من الوجوه، فأنفَذَها من الثُّلث، مستدلًّا على ذلك بمِثل حديث:«الثلُثُ؛ والثلثُ كثيرٌ»(١)، وبمثل ما ورد من سائر الآياتِ والأحاديثِ القاضيةِ بالوصيةِ على الإطلاق، فقد غَلِطَ غلطًا بيِّنًا؛ فإن هذه الوصيةَ التي قال فيها النبيُّ ﷺ:«الثلثُ؛ والثلُثُ كثيرٌ» هي وصيةُ قُربةٍ، كما في القصة المشهورة الثابتةِ في الأمهات: أن سعدَ بن أبى وقاص استأذن رسولَ اللَّه ﷺ أن يتصدَّق بجميع ماله، فما زال يُنازِلُه حتى قال له:«الثلثُ، والثلثُ كثير».
وهكذا ما ورد من قوله ﷺ:«إن اللَّهَ جَعل لكم ثُلُثَ أموالِكم في آخِرِ أعماركم»؛ فإنه قيَّده بقوله في آخِره:«زيادةً في حسناتكم»(٢)، ولا يزيدُ في الحسنات إلَّا ما كان قُربةً، وأما وصايا الضِّرارِ المتضمِّنةُ لمخالفةِ ما شَرَعه اللَّهُ فهي زيادةٌ في السيئات، لا زيادةٌ في الحسنات.
(١) صحيح: رواه أحمد (١/ ١٧١)، والبخاري (٢٧٤٤)، ومسلم (١٦٢٨)، وأبو داود (٢٨٦٤)، والترمذي (٢١٦٦)، والنسائي (٣٦٢٦)، وابن ماجه (٢٧٠٨). (٢) حسن: رواه أحمد (٦/ ٤٤٠)، وابن ماجه (٢٧٠٩)، والدَّارَقُطْني (٤/ ١٥٠)، والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٥٤)، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٠٤)، وضعَّفه الإمام الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٣٨٦)، والحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (٣/ ٩١)، والإمام البوصيري في «زوائد ابن ماجه» (٢/ ٣٣٦)، بينما قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في «المسند»: «محتمل للتحسين»، وحسَّنه الشيخ الألباني، والشيخ محمد بن صبحي حلاق في تحقيق «نيل الأوطار» (١١/ ٢٧٣).