فالرَّسولُ بشَر أُوحِيَ إليه بشَرْع وأُمِر بتَبليغه.
فإن قال قائِل: في تَعريف النَّبيِّ أنَّه الذي أُمِر بوَحْي ولم يُبلِّغه؛ فكيف نُوفِّق بينه وبين قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لأُمّتِهِ خَيْرَ مَا يَعْرِفُهُ وَيحذِّرُهُمْ شَرَّ مَا يَعْرِفُهُ"(١)؟
فالجَوابُ: هذا المُراد بالنَّبيِّ الرسول، المُراد به الرَّسول؛ ولهذا تَجِد الآنَ في القُرآن الكَريم أنبياءَ هُمْ رُسُل، لكِن تُذكَر بلَفْظ الأنبياء {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء: ١٦٣]، ثُم قال في الأَخير:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} وقال: {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}.
وقوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ} وهؤلاءِ الرّسُل كان يُرسَلون إلى أُممِهم فقَطْ، كما ثبَتَ ذلك في الصَّحيحَيْن من حديث جابِرٍ:"وَكَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً"(٢){وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- كلُّ أُمَّة أَرسَل الله إليها رَسولًا لتَقوم الحُجَّة.
قوله:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}(مِن) هَذه تَبعيضِيَّة؛ أي: بعضُهم قصَصْناهم عليك وأَخبَرْناك بهم، وبعضُهم لم نَقصُصْهم عليك. قال أَهلُ العِلْم: وإنما قَصَّ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مَن كانوا من الجَزيرة العرَبية وما حَولَها؛ لأن أَخبار هَؤلاءِ له بَقيَّة في العرَب؛ فلِهذا قَصَّه الله، أمَّا مَن كانوا في
(١) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، رقم (١٨٤٤)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. (٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، رقم (٤٣٨)، ومسلم: كتاب المساجد، باب جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، رقم (٥٢١)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.