قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَعْنَةُ الله عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"(١). لكن قال بعض الناس - إمَّا اجتِهادًا وإمَّا محُاباةً لليَهود والنَّصارى -، قال: إن الرسول دعا عليهم باللَّعْنة في حال مُعيَّنة، حين اتَّخَذوا قبور أنبيائِهم مَساجِدَ لَعَنَهم، كأنه يَقول: لأنَّهم اتَّخَذوا. فيُقال: التَّعليل لا يَقتَضي تَخْصيص المَعلول، العِلَّة لا تَقتَضي التَّخصيص، هُم لُعِنوا من أَجْل هذا ومن أَجْل غيرِه أيضًا.
فالصحيحُ أنه يَجوز أن نَلعَن اليَهود والنَّصارى على سبيل التَّخْصيص، فنَقول: لَعْنةُ الله على اليَهود والنَّصارَى. سواءٌ قرَنَّا ذلك بفِعْل من أفعالهم يَقتَضي اللَّعْن أو لا.
إِذَنْ: لنا أن نَلعَن الكُفَّار على سبيل العُموم.
وهل نَلعَنُهم على سبيل التَّعيِين؟
الجَوابُ: إن كان حَيًّا فلا يَجوز، لا يَجوز أن أَلعَن شخصًا مُعيَّنًا، ولو كان أكثَرَ الكُفَّار ما دام حيًّا، والدليل أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا صار يَقول:"اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا"(٢) مِمَّن عيَّنهم من أئِمَّة الكُفْر، قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران: ١٢٨] فنَهاه وقال: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وإذا كان رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس له من الأَمْر شيء فما بالُك بمَن دُونَه؟ ! وأمَّا التَّعليل فإننا نَقول: لا تَلعَنه، ادْعُ الله له بالهِداية؛ لأنَّك لا تَدرِي ربَّما
(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، رقم (٤٣٥، ٤٣٦)، ومسلم: كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم (٥٣١)، من حديث عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم -. (٢) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، رقم (٤٠٦٩)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.