وَمِمَّنْ رُوِىَ عَنْهُ كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عند قراءة القرآن سعيد ين الْمُسَيَّبِ وَسَعِيد بْنُ جُبَيْرٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَكَرِهَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، كُلُّهُمْ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ. الْقُرْآنِ وَالتَّطْرِيبَ فِيهِ.
معنى ما روي عنه -عليه السلام-: «زَيَّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (١).
لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ، أَيْ زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرَوَاهُ طَلْحَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «زَيَّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» أَيِ الْهَجُوا بِقِرَاءَتِهِ وَاشْغَلُوا بِهِ أَصْوَاتَكُمْ، اتخذوه شِعَارًا وَزِينَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالدُّءُوبُ عَلَيْهِ (٢).
قُلْتُ (القرطبي): وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يرجع قوله علية السلام: «وليس مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» (٣) أَيْ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَسِّنْ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، كَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِ مُلَيْكَةَ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مُوسَى لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِي لَحَسَّنْتُ صَوْتِيَّ بالقرآن، وزينته ورتلته، وهذا يدل على أَنَّهُ كَانَ يَهُذُّ فِي قِرَاءَتِهِ مَعَ حُسْنِ الصَّوْتِ الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ، وَالتَّحْبِيرُ: التَّزْيِينُ وَالتَّحْسِينُ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَسْمَعُهُ لَمَدَّ فِي قِرَاءَتِهِ وَرَتَّلَهَا، كَمَا كَانَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي حُسْنِ صَوْتِهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أن يَقُولَ: إِنَّ الْقُرْآنَ يُزَيَّنُ بِالْأَصْوَاتِ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ هَذَا فَقَدْ وَاقَعَ أَمْرًا عَظِيمًا أَنْ يُحْوِجَ
(١) صحيح؛ صححه الألباني في "الصحيحة" (٧٧١)، أخرجه أبو داود (٢/ ٧٤ - ١٤٦٨).(٢) ذكره القرطبي في "تفسيره" (١/ ١١).(٣) صحيح البخاري (٧٥٢٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute