وترك ذكر (لا) من الكلام، لدلالة الكلام عليها، واكتفاءً بما ذُكر عما تُرِك، كما قال أمرؤ القيس (١):
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيكَ وَأَوْصَالِي
بمعنى: فقلت: يمين الله لا أبرح، فحذف " لا "، اكتفاء بدلالة الكلام عليها (٢).
واختلف في تعلق (اللام) في قوله {لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤]، على ثلاثة أوجه (٣):
أحدها: أنها متعلقة بالفعل، أى ولا تجعلوا اللَّه لأيمانكم برزخاً وحجازاً. قاله الزمخشري (٤).
والثاني: أنها متعلقة بقوله: {عُرْضَةً}، لما فيها من معنى الاعتراض، بمعنى لا تجعلوه شيئا يعترض البر، من اعترضني كذا.
والثالث: أنها للتعليل (٥).
قوله تعالى {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٢٤]، " أى إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا" (٦).
قال الزمخشري: " لأن الحلاف مجترئ على اللَّه، غير معظم له، فلا يكون براً متقياً، ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في وساطاتهم وإصلاح ذات بينهم" (٧).
قال البيضاوي: "علة للنهي، أي: أنهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس، فإن الحلّاف مجترئ على الله تعالى، والمجترئ عليه لا يكون براً متقياً ولا موثوقاً به في إصلاح ذات البين" (٨).
قال الصابوني: " أي: لا تجعلوه تعالى سببا مانعا عن البر والتقوى والإصلاح بين الناس" (٩).
قال القرطبي: " معناه: أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فان الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى، وهذا تأويل حسن" (١٠).
قال الشوكاني: " أي لا تجعلوا الله مانعا للأيمان التي هي بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس" (١١).
و(الإصلاح) بين الناس: أي: "الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مَأثَم فيه، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه" (١٢).
قال ابن عثيمين: " فـ (البر) فعل الخيرات؛ و (التقوى) هنا اجتناب الشرور؛ و (الإصلاح بين الناس) التوفيق بين المتنازعين حتى يلتئم بعضهم إلى بعض، ويزول ما في أنفسهم" (١٣).
(١) ديوانه: ١٤١. وهو من قصيدته التي لا تبارى وهي مشهورة وما قبل البيت وما بعده مشهور.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ٤٢٥.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٤) انظر: الكشاف: ١/ ٢٦٧.
(٥) انظر: الكشاف: ١/ ٢٦٨.
(٦) الكشاف: ١/ ٢٦٨.
(٧) الكشاف: ١/ ٢٦٨.
(٨) تفسير البيضاوي: ١/ ١٤٠.
(٩) صفوة التفاسير: ١/ ١٢٧.
(١٠) تفسير القرطبي: ٣/ ٩٧.
(١١) فتح القدير: ١/ ٣٣٠.
(١٢) تفسير الطبري: ٤/ ٤٢٦.
(١٣) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩١.