للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَنْ: نَقول: قوله: (امرأةً) وإن كانت صِياغتها صيغة الواحِد، لكن المُراد بها العُموم، لأنها سِيقت للامتِنان، والامتِنان بالواحِدة لا يَكْمُل إلَّا إذا كانت امتِنانًا بكل فَرْد من أفراد هذه النَّكِرة.

إِذَنْ: يَكون معني الآية: وأَحلَلْنا لك أيَّ امرأة، وقوله تعالى: {مُؤْمِنَةً} هذا قَيْد يَخرُج به غير المُؤمِنة ولو كانت كِتابيَّةً، فإنها لا تَحِلُّ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ولهذا ذهَبَ بعضُ العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ إلى أنَّ من خَصائِص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النِّكاح ألَّا يَتزَوَّج امرأةً كِتابيةً، وهذا لم يَقَعْ، لم يَقَعْ أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَزوَّج امرأةً كِتابيةً.

ومن المَعلوم أن من خَصائص الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في النِّكاح ما هو تَوسِعة وما هو تَضييق، فالتَّوْسِعة النِّكاح بالِهبَة والتَّزوُّج بأكثَرَ من أربعٍ، والتَّضييق أنه لا يَحِلُّ له من بنات عمِّه وبنات عَمَّاته وبنات خاله وبنات خالاته إلَّا مَن هاجَرْن معَه.

وكذلك على القولِ الراجِح أنه بعد تَخيير النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لزوجاتِه لا يَحِلُّ له النِّساء، كما سيَأتي إن شاء اللَّه تعالى.

قوله تعالى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} وهَبَت هي بدون وَليِّها، وهَبَت نفْسَها أي: أَعطَتْها للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلا عِوَضٍ؛ لأن الهِبة تَعريفها: بَذْلُ المال بدون عِوَض. فمَعنَى {وَهَبَتْ نَفْسَهَا} يَعنِي: جاءت للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وقالت له: قد وهَبْتُ نَفْسي لكَ. فتَحِلُّ له، لكن لمَّا كان الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مخُيَّرًا في ذلك، وليس واجِبًا عليه أن يَقبَل قال تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا}، وهذا الشَّرْطُ داخِل في الشَّرْط الأوَّل؛ وقد عَلِم أن الشَّرْط الثانيَ قَيْد في الشَّرْط الأوَّل، فهو مُتأخِّر لفظًا مُتقَدِّم مَعنًى؛ وكُلَّما تَداخَلَتِ الشروط فاجعَلِ الشَّرْطَ الأخيرَ قَيْدًا فيما قبلَه فهو مُتأخِّر رُتْبةً، لكنْ مُتَقدِّمٌ مَعنًى؛ فإذا تَعدَّدَتِ الشروط (إِنِ) الشَّرْطية أو (إذا) أو ما أَشبَه، فإن

<<  <   >  >>