للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضُهم: أنه لمَّا كان لَفْظ العَمِّ والخالِ كلَفْظ المَصدَر صار الأنسَبُ ألَّا يُجمَع؛ لأن المَعروف أن المَصادِر لا تُجمَع ولا تُثنَّى، لكن هذا في النَّفْس منه شيء.

والأقرَبُ: ما ذكَرَه ابنُ كَثير رَحِمَهُ اللَّهُ أن قوة صِلة العَمِّ بالإنسان أَقوى من قُوَّة صِلة العَمَّة به؛ فلهذا جُمِع، وإلَّا فمِن المعلوم أن الإنسان له أعمام وليس له عَمٌّ واحِد فقَطْ، وبناتُ أَعْمامه كلُّهن حَلال.

وقوله تعالى: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} فيه زِيادة قَيْد بالنِّسبة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو قوله تعالى: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} يَعنِي: هاجَرْن من مكَّةَ إلى المدينة، وسواءٌ كُنَّ في مَعِيَّته مُباشَرة أو في مَعِيَّته بالمَعنَى، أي: بالِهجرة، فليس بلازِمٍ أن تَكون بنتُ العَمِّ أو بِنتُ الخالِ مع الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُباشَرة يَعنِي: تَسير معه، بل لو هاجَرَت قَبلَه أو بعدَه فهي داخِلة في هذا.

قال رَحِمَهُ اللَّه: [{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} يَطلُب نِكاحها غير صَداق {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} النِّكاح بلَفْظ الهِبَة من غير صَداق]، يَعنِي: الخالِص هو النِّكاح {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} إلخ.

قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} يَعنِي: وأَحْلَلْنا لك امرأةً مُؤمِنةً، وهذا نَكِرة في سِياق الإثبات، والمَعروف أن النَّكرة في سِياق الإِثْبات لا تَقتَضي العُموم، لكن لمَّا كان السِّياق سِياقَ مِنَّة صارَتْ للعُموم، والأصل في النَّكِرة ألَّا تَعُمَّ إذا كانت في سِياق الإثبات، فإذا قُلْت لك: اضْرِبْ رجُلًا. ليس مَعناها أَنِّي آمُرك أن تَضرِب جميعَ الرِّجال، لكن إذا كانتِ النَّكِرة في سِياق الإثبات يُراد بها الامتِناع صارت للعُموم؛ لأنها لو قُيِّدت بالواحِدة لم تَكْمُلْ بها المِنَّة، فلا تَكمُلُ المِنَّة إلَّا إذا كانت يُراد بها العُمومُ.

<<  <   >  >>