إن عقيدة المسلم المستمدة من القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة تحثه دومًا على الاهتمام بالوقت والحرص على اغتنامه والحذر من إضاعته، ذلك أن الإسلام - كما رأينا في المبحثين السابقين - يقرر مسؤوليّة المسلم عن حفظ وقته، وقد استشعر السلف هذه المسؤولية وعملوا بمقتضاها، كما يصفه لنا الحسن البصريُّ رحمه الله بقوله:"أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره"(١) .
فالاهتمام بالوقت، وإعمال العقل في استثماره والاستفادة منه، مطلب مهم في حياة المسلم، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله:"أعلى الفِكَر وأجلُّها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة؛ فما كان لله أنواع، وذكر منها: الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، وجمع الهمِّ - أي: الهمَّة - كلّه عليه، فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبداً"(٢) . كذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله:" صحبت الصوفيّة فلم أستفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك"(٣) ، أي: اقطع الوقت بالعمل لئلا يقطعك بالتسويف.
و"الوقت هو الحياة"(٤) كما أثر ذلك عن الإمام حسن البنَّا رحمه الله، ولعله قد استفاد ذلك المعنى من قول ابن القيِّم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته
(١) ابن المبارك، عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي ١١٨-١٨١هـ، الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ص٥١. (٢) ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيّم الجوزية ٦٩١ - ٧٥١ هـ، الداء والدواء، تحقيق علي ابن حسن الحلبي، دار ابن الجوزي، الرياض، ط٣، ١٤١٩هـ-١٩٩٩م، ص ٢٣٨-٢٣٩. (٣) المرجع نفسه، ص ٢٣٩. (٤) المطوع، جاسم محمد، الوقت عمار أو دمار، دار الدعوة، الكويت، ط٦، ١٤١٢هـ - ١٩٩٢م، ج١ ص٩٩.