قال القرطبيّ: وعلى هذين التقييدين، والتفسيرين، فهو خبرٌ بمعنى الأمر؛ أي: ليسمع سامع، وليبَلّغ، وهذا نحو قوله:"تصدَّق رجل بديناره، ودرهمه"(١)؛ أي: ليتصدّق، و"جَمَع عليه ثيابه"؛ أي: ليجمع، وقد تقدَّم القول في نحو هذا.
(وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بمعنى ابتلائه، وقد تقدّم أن أصل الابتلاء: الاختبار، وقد يكون نعمة، وقد يكون نقمة. انتهى (٢).
(رَبَّنَا) بحذف حرف النداء؛ أي: يا ربّنا (صَاحِبْنَا) بصيغة الأمر، من صاحب يُصاحب، أي: بحفظك، وكفايتك، وهدايتك، قاله القرطبيّ، وقال النوويّ: أي: احفظنا، وحُطنا، واكلأنا. (وَأَفْضِلْ) بصيغة الأمر أيضًا، من الإفضال؛ أي: مُنّ (عَلَيْنَا) بإدامة جزيل تلك النعمة، ومزيدها، والتوفيق للقيام بحقوقها، واصرف عنا كل مكروه، وقوله:(عَائِذًا)؛ أي: أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي (بِاللَّهِ) -سُبْحَانَهُ وَتعَالَى- (مِنَ النَّارِ")؛ أي: من عذابها.
وقال البيضاويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "عائذًا" منصوب على المصدرية؛ أي: أعوذ عياذًا، أقيمَ اسم الفاعل مقام المصدر، كما في قولهم: قم قائمًا، وقول الشاعر:
وَلَا خَارِجًا مِنْ فِيَّ زُورُ كَلَامِ
أو على الحال من الضمير المرفوع في "يقول"، أو "أسحر"، ويكون من كلام الراوي.
قال الطيبيّ: يريد أن "عائذًا" إذا كان مصدرًا كان من كلام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإذا كان حالًا كان من كلام الراوي، وجوّز النوويّ أن يكون حالًا، ويكون من كلام الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث قال: إني أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي من النار.