٤ - أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شِبْهُ كَمَالِ الاِتِّصَالِ: كَكَوْنِ الثَّانِيَةِ جَوَاباً لِسُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْأُوْلَى، فَتُنَزَّلُ الْأُوْلَى مَنْزِلَةَ السُّؤَالِ؛ لِكَوْنِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَيْهِ وَمُقْتَضِيَةً لَهُ، فَتُفْصَلُ الثَّانِيَةُ عَنِ الْأُوْلَى كَمَا يُفْصَلُ الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الِاتِّصَالِ (١)، وَيُسَمَّى الْفَصْلُ لِذَلِكَ (اسْتِئْنَافاً)، وَكَذَا الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تُسَمَّى اسْتِئْنَافاً ومُسْتَأْنَفَةً؛ نَحْوُ: [الخفيف]
قَالَ لِيْ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: عَلِيْلُ ... سَهَرٌ دَائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيْلُ
أَيْ: مَا بَالُكَ عَلِيْلاً؟ أَوْ مَا سَبَبُ عِلَّتِكَ؟ . وَلِلِاسْتِئْنَافِ أَقْسَامٌ تُطْلَبُ مِنَ الْمُطَوَّلَاتِ. (٢)
أَوْ نُزِّلَتْ: الجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأُوْلَى
كَالْعَارِيَهْ: بِأَنْ لَمْ يُقْصَدْ تَشْرِيْكُ الثَّانِيَةِ لِلْأُوْلَى فِيْ حُكْمِ إِعْرَابِهَا؛ نَحْوُ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: ١٤ - ١٥].
لَمْ يُعْطَفُ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عَلَى (إِنَّا مَعَكُمْ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَلَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَزِمَ تَشْرِيْكُهُ لَهُ فِيْ كَوْنِهِ مَقُوْلَ (قَالُوْا)، فيَلْزَمُ أَنْ يَكُوْنَ مَقُوْلَ قَوْلِ الْمُنَافِقِيْنَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
أَوْ كَانَ لِلْأُوْلَى حُكْمٌ لَمْ يُقْصَدْ إِعْطَاؤُهُ لِلثَّانِيَةِ، فَالْفَصْلُ وَاجِبٌ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنَ الْوَصْلِ التَّشْرِيْكُ فِيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ نَحْوُ: (وَإِذَا خَلَوْا .... الْآَيَةَ) لَمْ يُعْطَفْ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عَلَى (قَالُوْا)؛ لِئَلَّا يُشَارِكَهُ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالظَّرْفِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
(١) وجهُ الفصلِ والمنع من الرّبط بين الجملتين في هذا الموضعِ هو وجودُ الرّابطة القويّة بينهما، فأشبهَت حالةَ كمال الاتّصال، وعُومِلَت معاملتَها.(٢) انظر: دلائل الإعجاز ص ٢٢٢ - ٢٤٨، والمطوّل ص ٤٤٨ - ٤٤٩، ومِن أسرار الجُمل الاستئنافيّة ص ٥٥ - ٢٢٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute