لأنه كان لا يغيب عن سليمان عليه الصلاة والسّلام إلا بإذنه فلما لم يبصره مكانه تعجب من حال نفسه فى عدم إبصاره إياه، ولا يخفى أنه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه، وقول صاحب الكشاف: نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال: مالى لا أرى؟ ؛ على معنى أنه لا يراه ...
===
الدعاء مسبب عن تكرير الدعوة وتكريرها مسبب عن الاستبطاء فهو من باب استعمال اسم المسبب فى السبب، ومثل ما قيل هنا يقال فيما مثل به أيضا من قوله تعالى مَتى نَصْرُ اللَّهِ (١) فالاستفهام عن زمان النصر يستلزم الجهل بذلك الزمن والجهل به يستلزم استبعاده عادة أو ادعاء، إذ لو كان قريبا كان معلوما بنفسه أو بأماراته الدالة عليه واستبعاده يستلزم استبطاءه
(قوله: لأنه) أى: الهدهد كان لا يغيب إلخ وهذا علة لمحذوف أى: وإنما كان الغرض من هذا التركيب التعجب؛ لأنه إلخ
(قوله: فى عدم إبصاره) أى: وهو عدم إبصاره له، ففى بمعنى من البيانية، أو أنه من ظرفية المطلق فى القيد أى: تعجب من حال نفسه المتحقق فى عدم إبصاره إياه كذا ذكر بعضهم، وهذا مبنى على أن المستفهم عنه عدم إبصاره، وليس كذلك، إذ معنى العبارة أى شىء ثبت لى فى حال كونى لا أرى الهدهد أى: أى حالة حصلت لى منعتنى رؤيته، فالأولى أن يقال المعنى تعجب من حال نفسه فى وقت عدم إبصاره، فالمراد بحال نفسه هنا الحالة التى قامت به وقت عدم رؤية الهدهد مع حضوره بحسب ظنه أولا فكانت سببا لعدم الرؤية، وتلك الحالة إما غفلة بصره، أو مرض عينيه، أو نحو ذلك
(قوله: ولا يخفى إلخ) علة لمحذوف عطف على قوله تعجب من حال نفسه أى: لأنه استفهم عنها، إذ لا يخفى أنه لا معنى لاستفهام العاقل: كسليمان عن حال نفسه؛ لأن العاقل أدرى بحال نفسه من غيره فكيف يستفهم عنها من الغير، ولما امتنع حمل الكلام على ظاهره من السؤال عن حال نفسه عند عدم الرؤية حمل على التعجب مجازا؛ لأن السؤال عن الحال وهو السبب فى عدم الرؤية يستلزم الجهل بذلك السبب والجهل بسبب عدم الرؤية يستلزم التعجب وقوعا أو ادعاء، إذ التعجب معنى قائم بالنفس يحصل من إدراك الأمور القليلة الوقوع