فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي" (١).
وفي رواية: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".
قال النووي: فيه جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وقد قال الله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، وفيه النهى عن الاستغفار للكفار. (٢)
قال القاضي عياض: سبب زيارته - صلى الله عليه وسلم - قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث "فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت". (٣)
وقال في قوله: "فبكى وأبكى من حوله"، بكاؤه على ما فاتها في إدراك أيامه والإيمان به. (٤)
قال البيهقي:(وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا ... ) ثم ساق بإسناده حديث أنس: "إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ" (٥)، وبإسناده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في استئذانه أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له. وهما اللذان أخرجهما مسلم.
قال الإمام البيهقي: وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة في الآخرة. (٦)
وقال القاضي عياض: لما أخبر بما أخبره ورآه عظم عليه أخبره أن مصيبته بذلك كمصيبته ليتأسي به. (٧)
ومثله قول القرطبي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ" جبر للرجل مما أصابه وأحاله على التأسي حتى تهون عليه مصيبته بأبيه. (٨)
(١) مسلم (٩٧٦). (٢) شرح مسلم للنووي ٤/ ٥٣. (٣) شرح مسلم للنووي ٤/ ٥٣. (٤) شرح مسلم للنووي ٤/ ٥٣. (٥) السنن الكبرى للبيهقي ٧/ ١٩٠. (٦) دلائل النبوة ١/ ١٩٢. (٧) إكمال المعلم ١/ ٥٩١. (٨) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ١/ ٤٦١.