- وهجرته منذ يومئذ.
*** وقال المزنيّ: لمّا وافى الشافعيّ مصر، قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري ويعلق به خاطري من أمر التوحيد، فهو!
فصرت إليه وهو جالس في مسجد مصر، فلمّا جثوت بين يديه قلت له: إنّه قد هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أنّ أحدا لا يعلم علمك. فما الذي عندك؟
فغضب، ثمّ قال لي: أتدري أين أنت جالس؟
قلت: نعم، أنا جالس بفسطاط مصر في مسجد ما بين أيدي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ.
قال: هيهات! إنّك بثارات وحثيلات يضرّ بك تياره (١) وأنت لا تعلم. وهذا هو الموضع الذي غرق فيه فرعون. أبلغك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالسؤال عن ذلك؟
قلت: لا.
قال: هل تكلّم فيه الصحابة؟
قلت: لا.
قال: تدري كم نجم [ا] في السماء؟
قلت: لا.
قال: فكوكب من هذه الكواكب التي تراها، تعرف جنسه وطلوعه وأفوله، ممّ خلق؟
قلت: لا.
قال: فشيء تراه بعينك [وهو] خلق ضعيف من خلق الله لست تعرفه، تتكلّم في علم خالقه؟
ثمّ سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها،
ففرّعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منها. فقال لي: شيء تحتاج إليه في اليوم مرارا خمسا تدع تعلّمه، وتتكلّف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك! ؟ فارجع إلى الله وإلى قوله عزّ وجلّ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ* إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لآيات [البقرة: ١٦٣، ١٦٤]، فاستدلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلّف علم ما لا يبلغه عقلك.
فقلت: قد تبت إذا عدت لذلك.
*** وعن إسحاق بن راهويه: اجتمعت مع الشافعيّ بمكّة، فسمعته يقول عن كراء بيوت مكّة فقلت:
أسألك هذه المسألة لا أجاوز بك إلى [١٦٣ ب] غيرها.
قال: ذاك أقدر لك.
وفي رواية: جالست الشافعيّ بمكّة، فأذكرنا في [كراء] بيوت مكّة، وكان يرخّص فيه وكنت لا أرخّص فيه. فذكر الشافعيّ حديثا وسكت.
وأخذت أنا في الباب أسرد. فلمّا فرغت منه قلت لصاحب لي من أهل مرو بالفارسيّة: «مردك مالا نيست» (قرية بمرو). فعلم أنّي راطنت صاحبي بشيء هجّنته فيه. فقال لي: أتناظر؟
قلت: وللمناظرة جئت.
قال: قال الله عزّ وجلّ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ*: أنسبت الديار لمالكيها أم لغير مالكيها؟
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة: من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ (٢) - فنسب الديار إلى
(١) كلمات غير مفهومة.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء ١٠/ ٦٩ هامش ١ تخريج هذا الحديث.