وفي كتاب عمر -رضي الله عنه- الذي كتبه له عبد الرحمن بن غنم، حين صالح نصارى الشام، وشرط عليهم فيه: أن لا يُحدثُوا في مدينتهم، ولا ما حولها دَيْراً، ولا كنيسةً، ولا صومعةَ راهبٍ، ولا يُجَدِّدوا ما خربَ منها، ولا يُعلِّموا أولادهم القرآن، ولا يُظهروا شِرْكاً، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه، وأن لا يُظهروا صليباً، ولا شيئاً من كتبهم في شيء من طرق المسلمين، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيّاً، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيءٍ من حضرة المسلمين، ولا يبيعوا الخمور، في أشياء غير هذه، مما شرط عليهم في كتابه ذلك، وقال في آخرها: فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه؛ فلا ذمَّة لهم، وقد حلَّ للمسلمين منهم ما يحلُّ من أهل المعاندة والشِّقاق (١) .
(١) أخرجه الخلال في «الجامع» (رقم ١٠٠٠) بإسناد ضعيف. ولكن للشروط العمرية طرقٌ كثيرة مشتهرة، جمعها القاضي أبو محمد بن زبْر في «جزء» جمعه في هذه الشروط. وقد نقلها عنه الحافظ ابن كثير في «مسند الفاروق» (٢/٤٨٨- وما بعدها) بأسانيد صحيحة. وأخرجه ابن حزم في «المحلّى» (٧/٣٤٦) من طريق سفيان الثوري، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم، به. وقال الونشريسي في «المعيار المعرب» (٢/٢٣٨) : «وقد ذكر -أيضاً- هذه القضية من أئمة الحديث أبو عبيد، واعتمد عليها الفقهاء من أهل كل مذهب في الأحكام المتعلقة بأهل الذمة؛ فقد ذكرها من المالكية شيخ الإسلام أبو بكر الطرطوشي في «سراج الملوك» ، والشيخ الإمام أبو عبد الله بن المناصف في كتابه «الإنجاد» ، والحافظ ابن خلف الغرناطي في «تنبيه ذوي الألباب على أحكام خطة الاحتساب» ، وذكر بعضها المحدث أبو الربيع بن سالم الكلاعي في كتابه «الاكتفاء» ، وذكرها من الشافعية: ابن المنذر وابن بدران، ومن الظاهرية ابن حزم، وغيرهم» . قال: «وسُقناها تامّةً لاعتماد العلماء عليها، حيثما تكلموا على فصل من فصولها» . وقال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (٣/١١٦٤) : «إن الأئمة تلقوها بالقبول، وذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها» . وقد فصّل -رحمه الله- في شرحها شرحاً وافياً شافياً. فليراجع هناك. وانظر: «مجموع الفتاوى» (٢٨/٦٥٢) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، و «تفسير ابن كثير» (٤/٩١-٩٢-ط. المكتبة التوفيقية) .