الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] ، وقوله -تعالى-: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[المائدة: ٤٩] . وفي حديث ابن عباس المتقدم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصلحِ قبلتان في أرضٍ واحدة»(١) ، فهو يتضمَّن منعهم من إظهار دينهم بحضرة المسلمين، وفي أمصارهم.
وأيضاً: فقد أوجب الله -تعالى- قتل الكفار وقتالهم؛ لإعلاء كلمة الله، وحتَّى يدخلوا في الإسلام، فإنما (٢) استثنى -تعالى- في الجزية الكفَّ عن قتالهم على الإسلام، فهم بأداء الجزية يُكفُّ عنهم في ذلك خاصة {وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٣٩] ، كما قال -تعالى-.
وأمَّا أن يباح لهم الاعتلاء بإظهار كفرهم وباطلهم، والتَّبسُّط بما ينافي كتاب الله -تعالى- ودينَه الحق، فذلك لم يستثْنِه الله -تعالى- لهم قط (٣) . {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[النساء: ١٤١] ، وقال -تعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ
وقال قوم من أهل العلم (٤) في قوله -تعالى-: { ... وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] : أن يُجْرَى عليهم حُكمُ الإسلام، وأن لا يُظهروا شيئاً من كفرهم، ولا مِمَّا يَحْرُمُ في دين الإسلام (٥) .
(١) مضى تخريجه. (٢) كذا، ولعلّ صوابها: وإنّما. (٣) أثبتها الناسخ: «فقط» ، ووضع فوقها علامةً تشير إلى أنها هكذا في الأصل. (٤) هو الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما نقله عنه البغوي في «معالم التنزيل» (٣/٣٣) ، وقبله السمعاني في «تفسيره» (٢/٣٠١-٣٠٢- ط. دار الوطن) ، وقال: وهذا معنىً حسن، وذكر هذا القول -ضمن عدَّة أقوال-: ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير» (٣/٢٨٦) ، ولم ينسبه، ثم وجدته في «الأم» للشافعي -رحمه الله- (٤/٢١٩) . (٥) وسيأتي -قريباً- الاختلاف في معنى الصَّغار.