الخمس في الدخول إلى أرض الحرب، وثلث ما ساق بعد الخمس في الخروج منها، لا زائد على ذلك. وإليه ذهب أهل الظاهر (١) ، ودليلهم حديث حبيب بن مسلمة -المتقدم- في تنفيل الربع والثلث لمن ساق غنيمةً إلى الجيش، وإن ما عدا ذلك لم يثبت في شيءٍ منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفَّل أحداً ما يبلغ سهم راجل.
وقولٌ: إن للإمام أن يُنفِّل السَّرية جميع ما غنمت من غير تخميس، روي ذلك عن مكحول، وعطاء، وإبراهيم (٢) . وعامَّة الفقهاء
على خلافه. وروي عن
(١) انظر: «المحلى» (٧/٣٤٠-٣٤١ المسألة رقم ٩٥٦) . (٢) ذكر ذلك عنهم: ابن عبد البر في «الاستذكار» (١٤/١٠٢) ؛ قال: ذكر أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، عن عمران القطان، عن علي بن ثابت، قال: سألت مكحولاً، وعطاء؛ عن الإمام ينفِّل قوماً ما أصابوا؟ قال: ذلك لهم. وقال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، قال: سألت إبراهيم -أي: النخعي- عن الإمام يبعث السرية، فتغنم؟ قال: إن شاء نفلهم إياه كله، وإن شاء خمَّسه. ومذهب إبراهيم النحعي أنه لا يزاد على الثلث، كما نقله عنه ابن قدامة في «المغني» (١٣/ ٥٤- ط. دار هجر) . وانظر: «موسوعة فقه إبراهيم النخعي» (ص ١٢٧) . وهو مذهب مكحول -كما سبق النقل عنه-، والأوزاعي. وانظر: «الآثار» لأبي يوسف (١٩٤) . ودافع عن هذا الرأي تاج الدين ابن الفركاح في جزء مطبوع بمصر قديماً، وعنوانه: «الرخصة العميمة في أحكام الغنيمة» ، وظفرتُ برد عليه للإمام النووي، منه نسخة وحيدة -فيما أعلم- في مكتبة تشستربتي بإيرلندة، وهو بعنوان: «مسألة وجوب تخميس الغنيمة وقسمة باقيها» وقد فرغت منذ سنوات من نسخه. وسيرى النور -إن شاء الله تعالى- قريباً بتحقيقي. ثم وجدت مقولة للإمام السيوطي في قاعدة: «الأصل في الأبضاع التحريم» ، في كتابه: «الأشباه والنظائر» (ص ٦٢) يقول فيها -وهو يتكلم على قسمة الغنائم-: «أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب، فهي غنيمة أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها لأهل الخمس، وهذا لا خلاف فيه، وغلط الشيخ تاج الدين الفزاري، فقال: إن حكم الفيء والغنيمة راجع إلى رأي الإمام يفعل فيه ما يراه مصلحةً، وصنّف في ذلك كراسةً سماها: «الرّخصة العميمة في أحكام الغنيمة» وانتدب له الشيخ محيي الدين النووي، فرد عليه في كراسة، أجاد فيها، والصواب معه قطعاً» انتهى. وانظر -لزوماً-: «الاعتصام» للشاطبي (٢/٩، ١٠) وتعليقي عليه، فقد زيّف هذا القول، وجعله غنيمة على طريقة (مَنْ عَزَّ بَزّ) لا طريقة الشرع.