ومن هذا الباب قول عبدالرحمن بن مهدي:«معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة»(١)، علق السخاوي على كلمة ابن مهدي هذه بقوله:«يعني يُعَبِّر بها غالبا، وإلا ففي نفسه حجج للقبول والدفع»(٢).
وقال عبدالرحمن أيضا:«إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة»(٣)، وروي عنه أنه قيل له: كيف تعرف صحيح الحديث من خطئه؟ فقال:«كما يعرف الطبيب المجنون»(٤).
وقال علي بن المديني:«أخذ عبدالرحمن بن مهدي على رجل من أهل البصرة -لا أسميه- حديثا، فغضب له جماعة، فأتوه، فقالوا: يا أبا سعيد من أين قلت هذا في صاحبنا؟ فغضب عبدالرحمن بن مهدي، وقال: أرأيت لو أن رجلا أتى بدينار إلى صيرفي، فقال: انتقد لي هذا، فقال: هو بهرج، يقول له: من أين قلت لي إنه بهرج؟ الزم عملي هذا عشرين سنة حتى تعلم منه ما أعلم»(٥).
وقال أحمد بن صالح المصري: «معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب والشبه، فإن الجوهر إنما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له: كيف
(١) «معرفة علوم الحديث» ص ١١٣، وانظر: «علل ابن أبي حاتم» ١: ٩، و «الجامع لأخلاق الراوي» ٢: ٢٥٥. (٢) «فتح المغيث» ١: ٢٧٣. (٣) «علل ابن أبي حاتم» ١: ٩، و «الجامع لأخلاق الراوي» ٢: ٢٥٦. (٤) «المجروحين» ١: ٣٢. (٥) «الجامع لأخلاق الراوي» ٢: ٢٥٦.