أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال:"من يردهم عنا وله الجنة؟ " - أو "هو رفيقي في الجنة" -، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فقال:"من يردهم عنا وله الجنة؟ "- أو "هو رفيقي في الجنة" -، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبيه:"ما أنصفنا أصحابنا"(١).
فالمعيار هنا واضح، وهو (من يردّ هؤلآء الكفار عنّا)(جزاه الله الجنة)،فالكم:(هؤلآء الكفار)،
والجزاء واضح (له الجنة)، لذا فقوله - صلى الله عليه وسلم -:"ما أنصفنا أصحابنا":هو تصريح بالرضى على صنيع هؤلآء السبعة، وعتب على من لم يثبت من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين (٢).
ومنه ما أخرجه البخاري عن عثمان - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من حفر (٣) رومة فله الجنة ... من جهز جيش العسرة فله الجنة "(٤).
لذا كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على تدريب الأمة على مراجعة نسبة الإنجاز وقياسها، لأنه إن لم يكن هناك مقياس واضح لنسبة الأنجاز سنتنتج العشوائية والاضطراب في النتائج، وضياع الأهداف بمرور الوقت، لذا كان - صلى الله عليه وسلم - يسأل أصحابه أحياناً (من تصدق اليوم)، فيحدد لهم المعيار، ومنه: ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من أصبح منكم اليوم صائما؟ " قال أبو بكر: أنا، قال:"فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، قال:"فمن أطعم منكم اليوم مسكينا". قال أبو بكر: أنا، قال:
(١) أخرجه مسلم ٣/ ١٤١٥ (١٧٨٩)،وغيره. (٢) ينظر: المفهم لما اشكل من تلخيص مسلم، القرطبي ١١/ ١٤٣،وشرح النووي ٤/ ٤٠٠. (٣) وجاءت في رواية (يشتري بئر رومة) وقد استشكله بعض أهل العلم، ووجهه الحافظ ابن حجر فقال في الفتح ٥/ ٤٠٨:" بمد فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -:"تبيعنيها بعين في الجنة؟ " فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه - فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:"نعم". قال: قد جعلتها للمسلمين وإن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه ". (٤) أخرجه البخاري (٢٦٢٦).