ودليل ذلك: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إِنِّي صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي»(٧) صل الصلاة لوقتها يعني: إذا أخرت الصلاة فصل الصلاة لوقتها، ثم إن أقيمت فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي.
ودليل آخر: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى صلاةَ الفجرِ ذاتَ يومٍ في مسجدِ الخَيْفِ في مِنًى، فلما انصرفَ مِن صلاتِهِ إذا برَجُلين قد اعتزلا، فلم يصلِّيا، فدعا بهما، فجِيءَ بهما تُرْعَدُ فرائصُهُما هيبةً مِن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ ». قالا: يا رسولَ الله، صلَّينا في رِحالِنَا. قال:«إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّها لَكُمَا نَافِلَةٌ»(٨).
فاستفدنا من هذا الحديث المطول: أن الصلاة الثانية تقع نافلةً، والصلاة الأولى هي الفريضة، وعلى هذا فإذا قدر أن شخصًا صلى في مسجده، ثم جاء إلى مسجد آخر لحضور درس، أو لحاجة من الحوائج، أو لشهود جنازة ووجدهم يصلون، فالأفضل أن يصلي معهم، وتكون صلاته معهم نافلةً، والصلاة الأولى هي الفريضة، ولا تكون الثانية هي الفريضة؛ لأن الأولى سقط بها الفرض، فصارت هي الفريضة، والثانية تكون نافلةً.
ولكن إذا أدرك بعضها، فهل لا بد من إتمامها، أو له أن يسلم مع الإمام؟
نقول: هي نافلة، فإن سلم مع الإمام إذا صلى ركعتين مثلًا، إذا صلى ركعتين مع الإمام فإن سلم معه فلا بأس؛ لأنها نافلة لا يلزمه إتمامها، وإن أتم فهو أفضل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»(٩).
وقول المؤلف:(إلا المغرب) يعني: فإنه لا تسن إعادتها.