أما القائلون بأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، فنقول: نعم هي من شعائر الإسلام الظاهرة، ومن تمام ذلك أن توجب على كل واحد؛ لأننا لو قلنا: إنها فرض كفاية لكان كل واحد يبقى في بيته ويقول: لعل في المسجد من يقوم بصلاة الجماعة.
وأما الذين استدلوا بقوله:«جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فلا دليل فيه أصلًا؛ لأن هذا فيه بيّن أن الأرض كلها مسجد، وهو من خصائص هذه الأمة، بخلاف غيرها، فإنها لا تصلي إلا في الكنائس والصوامع والبِيَع، لكن هذه الأمة جعلت لها الأرض كلها مسجدًا، فليس المقصود بيان أن الجماعة يصح أن تكون في كل مكان، بل بيان أن الصلاة تصح في كل مكان، وهذا لا نزاع فيه.
ثم على فرض أنه عام، فإنه مخصوص بالأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد.
لكن هاهنا مسألة، وهي ما يشكل على كثير من الدوائر الحكومية التي فيها جماعة كثيرة، ولهم مصلًّى خاص يصلون فيه، والمساجد حولهم، فهل نقول لهم: اخرجوا من هذه الدائرة جميعًا وصلوا في المسجد، أو نقول: صلوا في مكانكم ولا حرج عليكم؟
الذي نرى أنه إذا كان المسجد قريبًا، ولم يتعطل العمل، فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد، أما إذا كان بعيدًا أو خِيف تعطل العمل؛ بأن تكون الدائرة عليها عمل ومراجعون كثيرون، أو كان يخشى من تسلل بعض الموظفين؛ لأن بعض الموظفين لا يخافون الله، إذا قالوا: نخرج للصلاة خرجوا لبيوتهم، وربما لا يرجعون، ففي هذه الحال نقول: صلوا في مكانكم؛ لأن هذا أحفظ للعمل وأقوم، والعمل تجب إقامته بمقتضى الالتزام والعهد الذي بين الموظف والحكومة.
فهذا هو التفصيل في هذه المسألة، ولهذا ينبغي إن لم نقل: يجب أن يجعل هناك مسجد في الدوائر الكبيرة يكون له باب على الشارع تقام فيه الصلوات الخمس، حتى يكون مسجدًا لعموم الناس ويصلي فيه أهل هذه الدائرة، كما فعل ذلك في دار الإفتاء في الرياض، فإن هذا من خير ما يكون من المشاريع.