واستدل أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(١). فالأرض كلها مسجد، والمقصود الجماعة، والجماعة تحصل ولو كان الإنسان في بيته، لكنها في المسجد أفضل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن كونها في المسجد من فروض الكفايات، وأنه إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وجاز لمن سواهم أن يصلي في بيته جماعة.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة في المسجد.
أما الذين قالوا بأنها تجوز في البيت مطلقًا فاستدلوا بما ذكرت لكم «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
وأما الذين قالوا: إنها فرض كفاية، فقالوا: إنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وما زال المسلمون يقيمونها في المساجد، ولو تعطلت المساجد ما تبين أن هذه البلد بلد إسلام، فكما أن الأذان من شعائر الإسلام الظاهرة، وتقاتَل الطائفة إذا لم تؤذن، وهو فرض كفاية، فالصلاة في المساجد من باب أولى، فإذا وجد في المسجد من تقوم به الكفاية، فالباقون لهم أن يصلوا في بيوتهم.
وأما الذين قالوا: إنها تجب في المسجد فاستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»(٢) وكلمة (قوم) جمع تحصل بهم الجماعة، فلو كان يمكن أن يصلوا في بيوتهم جماعة لقال: إلا أن يصلوا في بيوتهم، واستثنى من يصلي في بيته، فعلم بهذا أنه لا بد من شهود جماعة المسلمين.
وهذا القول هو الصحيح: أنه يجب أن تكون في المسجد، وأنه لو أقيمت في غير المسجد فإنه لا يحصل بإقامتها سقوط الإثم، بل هم آثمون، وإن كان القول الراجح أنها تصح، وهذا الدليل كما عرفتم دليل واضح.