وجملة الصحابة عليه، وسكون قلوبهم به حين جعل الأمر إليه.
ثم خلافة عليّ - رضي الله عنه - ببيعة الصحابة إياه، حين عرفه ورآه كلٌّ منهم - رضي الله عنهم - أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه.
فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين؛ الذين [نصر](١) الله بهم الدين، وقصر الإلحاد، وقسر وقهر الملحدين، وقوَّى بمكانهم الإسلام، ورفع له بنهيهم الأعلام، ونوَّر بضيائهم وبهائهم الظلام، وفيهم أنزل قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: ٥٥]، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} إلى قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: ٢٩](٢)، فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم؛ فاز في الفائزين، ومن أبغضهم، وسبّهم، ونسبهم إلى ما نسبهم إليه الروافض والخوارج - لعنهم الله -؛ فقد هلك في الهالكين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا
(١) في (ص) (نضّر)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (٢) قال الإمام مالك - رحمه الله - مستدلًا بهذه الآية: (من غاظه أصحاب محمد فهو كافر؛ قال تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: ٢٩]) كما ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا (٢/ ٦١٦)، وقال الخفاجي في نسيم الرياض (٣/ ٤٧٢) موضحاً ما ذكره القاضي عياض: (وهذا رواه الخطيب البغدادي عن عروة الزبيري قال: كنا عند مالك بن أنس فذكر عنده رجل انتقص الصحابة، فتلا قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: ٢٩] إلى آخره، وقال: من أصبح في قلبه غيظ على أصحاب محمد فقد أصابته هذه الآية).