وروى ابن كثير (١): «دخل سعد على معاوية، فقال: ما لك لم تقاتل معنا؟ فقال: إني مرَّت بي ريح مظلمة فقلت اخ اخ، فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت، فقال معاوية: ليس في كتاب الله (اخ اخ)، ولكن قال الله تعالى:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(٢)، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية، فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلًا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"، فقال معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة. فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه - صلى الله عليه وسلم - لما قاتلت عليًا. وفي رواية من وجه آخر: أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما أقاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدَّث به سعد، فقال معاوية: لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادمًا لعلي حتى يموت. وفي إسناد هذا ضعف والله أعلم» اهـ.
[وقعة الجمل (٣٦هـ)]
كما تبين لنا من رواية الطبري عن القعقاع بن عمرو أن الفريقين أشرفا على الصلح نزولًا على رأي علي - رضي الله عنه -، وكان مما دل على ذلك أيضًا ما رواه الإمام الطبري أن عليًّا - رضي الله عنه - لما أراد الخروج إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال:«يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال علي: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منَّا وأجابونا إليه»(٣).
وروى أيضًا أن آخر قام إليه في هذا المسير فقال:«ما أنت صانع يا أمير المؤمنين إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: بان لنا ولهم أن الإصلاح والكف أحوط، فإن تابعوا فذاك، وإن أبوا إلا القتال فصدع لا يلتئم، قال: فإذا ابتلينا بذلك فما حال قتلانا وقتلاهم؟ قال: من أراد الله نَفَعَهُ ذلك، وكان بمنجاة»(٤).
(١) ابن كثير: البداية والنهاية (٨/ ٧٧). (٢) الحجرات: ٩ (٣) تاريخ الطبري (٤/ ٤٧٩). (٤) السابق (٤/ ٤٩٦).