ففي حديث جابر في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:«أنه صلى العصر في اليوم الأول عند مصير ظل الشيء مثله، واليوم الثاني عند مصير ظل الشيء مثليه .... ثم قال: الوقت بين هذين الوقتين»(١) وبه قال الشافعي [لكن هذا عند وقت الاختيار] ومالك في إحدى الروايتين (٢).
وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا:«... وقت العصر ما لم تصفَّر الشمس»(٣) وبه قال أحمد وأبو ثور ورواية عن مالك (٤)، ونحوه حديث أبي موسى في قصة السائل عن مواقيت الصلاة وفيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في اليوم الأول العصر والشمس مرتفعة، وفي اليوم الثاني آخر العصر فانصرف منها والقائل يقول: احمرَّت الشمس ... الحديث»(٥).
وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(٦) فقال إسحاق وأهل الظاهر (٧): آخر وقتها قبل غروب الشمس بركعة.
قلت: والذي تجتمع عليه هذه الأدلة كلها وغيرها أن يُحمل حديث جبريل على بيان وقت الاختيار، وحديث ابن عمرو على وقت الجواز، وحديث أبي هريرة على وقت العذر والاضطرار، فنقول: آخر الوقت المختار مصير ظل الشيء مثليه -بعد اطراح فيء الزوال- ويمتد إلى اصفرار الشمس، ويكره التأخير إلى ما بعد ذلك لغير عذر، لحديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله إلا قليلاً»(٨).
فإذا كان هناك عذر أو ضرورة جاز أداؤها -من غير كراهة- قبل غروب الشمس بمقدار ركعة. والله أعلم.
(١) صحيح: وقد سبق تخريجه. (٢) «بداية المجتهد» (١/ ١٢٦)، و «الأم» (١/ ٧٣). (٣) صحيح: تقدم قريبًا. (٤) «بداية المجتهد» (١/ ١٢٦)، و «المغنى» (١/ ٣٧٦)، و «الأوسط» (٢/ ٣٣١) وحكى في المسألة ستة أقوال. (٥) صحيح: أخرجه مسلم (٦١٤)، وأبو داود (٣٩٥)، والنسائي (١/ ٢٦٠). (٦) صحيح: أخرجه البخاري (٥٧٩)، ومسلم (١٦٣ - ٦٠٨). (٧) «بداية المجتهد» (١/ ١٢٦)، و «الأوسط» (٢/ ٣٣٢)، و «المحلى». (٨) صحيح: أخرجه مسلم (٦٢٢)، وأبو داود (٤٠٩)، والترمذي (١٦٠)، والنسائي (١/ ٢٥٤).