(خ) , وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟، قَالَتْ: وَيْحَكَ , وَمَا يَضُرُّكَ؟، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ , أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُأَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ , قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأتَ قَبْلُ؟ (١) إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ , سُوَرٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ (٢) فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ (٣) النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ، نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ (٤) وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ , لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (٥) وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ , إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ , فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ. (٦)
(١) قَالَ اِبْن بَطَّال: لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ تَرْتِيب السُّوَر فِي الْقِرَاءَة لَا دَاخِل الصَّلَاة وَلَا خَارِجهَا، بَلْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ الْكَهْف قَبْل الْبَقَرَة , وَالْحَجّ قَبْل الْكَهْف مَثَلًا، وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف مِنْ النَّهْي عَنْ قِرَاءَة الْقُرْآن مَنْكُوسًا , فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَقْرَأ مِنْ آخِر السُّورَة إِلَى أَوَّلهَا، وَكَانَ جَمَاعَة يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الْقَصِيدَة مِنْ الشِّعْر مُبَالَغَة فِي حِفْظهَا , وَتَذْلِيلًا لِلِسَانِهِ فِي سَرْدهَا، فَمَنَعَ السَّلَفُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآن , فَهُوَ حَرَام فِيهِ.وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي شَرْح حَدِيث حُذَيْفَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي صَلَاته فِي اللَّيْل بِسُورَةِ النِّسَاء قَبْل آلَ عِمْرَان , وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ يَقُول إِنَّ تَرْتِيب السُّوَر اِجْتِهَاد وَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - , وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء , وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيّ قَالَ: وَتَرْتِيب السُّوَر لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي التِّلَاوَة وَلَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الدَّرْس.وَلَا خِلَاف أَنَّ تَرْتِيب آيَات كُلّ سُورَة عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن فِي الْمُصْحَف تَوْقِيف مِنْ الله تَعَالَى , وَعَلَى ذَلِكَ نَقَلَتْهُ الْأُمَّة عَنْ نَبِيّهَا - صلى الله عليه وسلم -. (فتح الباري) - (ج ١٤ / ص ٢٠٢)(٢) المُفَصَّل: قصار السور، سُميت: مُفَصَّلا لقصرها، وكثرة الفصل فيها بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم، وهو السُّبُع الأخير من القرآن الكريم , أَيْ: من سورة الذاريات إلى سورة الناس.(٣) أَيْ: رَجَعَ.(٤) أَشَارَتْ إِلَى الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّة فِي تَرْتِيب التَّنْزِيل، وَأَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد، وَالتَّبْشِير لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُطِيع بِالْجَنَّةِ وَلِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي بِالنَّارِ، فَلَمَّا اِطْمَأَنَّتْ النُّفُوس عَلَى ذَلِكَ , أُنْزِلَتْ الْأَحْكَام، وَلِهَذَا قَالَتْ: " وَلَوْ نَزَلَ أَوَّل شَيْء لَا تَشْرَبُوا الْخَمْر , لَقَالُوا لَا نَدَعهَا " وَذَلِكَ لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْ تَرْك الْمَألُوف. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٤ / ص ٢٠٢)(٥) [القمر/٤٦](٦) (خ) ٤٧٠٧
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute