أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا».
فَالرِّزْقُ الْحَرَامُ هو مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ، وَكَتَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ، وَلِفَاعِلِهِ مِنْ غَضَبِهِ وَذَمِّهِ وَعُقُوبَتِهِ مَا هُوَ له أَهْلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
الْإِيمَانُ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟
الْجَوَابُ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَشَا (١) النِّزَاعُ فِيهَا لَمَّا ظَهَرَتْ مِحْنَةُ الْجَهْمِيَّة فِي الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ وَهِيَ مِحْنَةُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ جَرَتْ فِيهَا أُمُورٌ يَطُولُ وَصْفُهَا هُنَا. لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ - وَأَطْفَأَ اللَّهُ نَارَ الْجَهْمِيَّة الْمُعَطِّلَةِ - صَارَتْ طَائِفَةٌ يَقُولُونَ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ مَخْلُوقٌ. وَيُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ، فَصَارُوا يَقُولُونَ: أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ، أَوْ تِلَاوَتُنَا أَوْ قِرَاءَتُنَا له مَخْلُوقَةٌ. وَلَيْسَ مَقْصُودُهُمْ مُجَرَّدَ أصواتهم (٢) وَحَرَكَاتِهِمْ بَلْ يُدْرِجُونَ (٣) فِي كَلَامِهِمْ نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي نَقْرَؤُه بِأَصْوَاتِنَا وَحَرَكَاتِنَا، وَعَارَضَهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى قَالُوا: أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ. وَرَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جهمي، وَمَنْ قَالَ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ. وَتَكَلَّمَ النَّاسُ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ، وَأَدْخَلُوا (٤) فِي ذَلِكَ مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ، مِثْلَ قَوْلِه: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَصَارَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَخْلُوقَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ اللَّهُ بِهَا؛ فَبَدَّعَ الْإِمَامُ أَحْمَد هَؤُلَاءِ، وَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» أَفَيَكُونُ قَوْلُ
(١) في مجموع الفتاوى: (نشأ).(٢) في مجموع الفتاوى: (كلامهم).(٣) في مجموع الفتاوى: (يدخلون).(٤) في مجموع الفتاوى: (وأدرجوا).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute