وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَنَحْوُهُ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَكْمِيلِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرًا بِإِعَادَةِ شَيْءٍ.
وَمَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَسْقُطُ عَنْ الْعَارِفِينَ أَوْ الْمَشَايِخِ الْوَاصِلِينَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَتْبَاعِهِمْ أَوْ أَنَّ الشَّيْخَ يُصَلِّي عَنْهُمْ، أَوْ أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا سقَطَت عَنْهُمْ الصَّلَاة، كَمَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ وَاتِّبَاعِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يدعون (١) الْمعرِفَة، فَهَؤُلَاءِ يُسْتَتَابُونَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ وَإِلَّا قُتِلُوا (٢)، وَإِذَا أَصَرُّوا عَلَى جَحْدِ الْوُجُوبِ حَتَّى قُتِلُوا كَانُوا مُرْتَدِّينَ، وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَصَلَّى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا تَرَكَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ جَاهِلِينَ بِالْوُجُوبِ، فَإِنْ قِيلَ:
[إنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَالْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ لَا يَقْضِي مَا تَرَكَهُ حَالَ الرِّدَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَا يَقْضِي الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ مَا تَرَكَ حَالَ الْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالْأُخْرَى يَقْضِي الْمُرْتَدُّ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
فَإِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، وَطَائِفَةٍ مَعَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ} الْآيَةَ، وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَالَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ: {ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فَهَؤُلَاءِ عَادُوا إلَى الْإِسْلَامِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ عَامَ
(١) كذا في المطبوع، ولعل الصواب: (الذين يدعون).(٢) في مجموع الفتاوى: (قوتلوا).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute